موسكو ــ حبيب فوعاني
يســعى إلى إبــرام صفقــات «ســوداء» لتسليــح أنغــولا... وموسكــو هدّدتــه بالملاحقــة القضائيــة


لا يترك الملياردير الروسي أركادي غايداماك فرصة إلّا ينتهزها للتعبير عن ورعه وولائه لـ «وطنه» الإسرائيلي الجديد، وكانت الأخيرة إعلانه قبل أيام نيّته رفع لحوم الخنزير ومشتقّاتها، المحرّم أكلها على اليهود، من البيع في شبكة المتاجر الإسرائيلية، التي اشترى 51 في المئة من أسهمها أخيراً بمبلغ مئة مليون دولار، وهو ما أثار ضجّة في الصحافة الإسرائيلية الناطقة بالروسية، التّي اتهمته بالتخلّي عن اليهود الروس، المعروفين بعدم تزمّتهم الديني على الأقلّ بالنسبة لتناول هذه اللحوم.
إلّا أنّ العــــــــــــارفــــــــــــــين ببواطن الأمور، يرون وجهاً آخر بشعاً لغايداماك، لا يختلف كثيراً عن وجوه المليارديرات اليهود ــــــ الروس، الذين جمعوا أموالهم بطرق غير شرعية في روسيا في عهد الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين، وعندما دقت ساعة مساءلتهم تذكروا «وطنهم التاريخي» من دون نسيان وطنهم الروسي، وخصوصاً عندما يلوح إمكاني عقد صفقات يسيل لها لعابهم.
وفي هذا السياق، ترتسم معالم فضيحة جديدة حول غايداماك في روسيا بعد اكتشاف محاولاته للتوسّط في بيع أسلحة روسية بطريقة غير مشروعة وغير رسمية إلى أنغولا.
والرئيس الأنغولي جوزيه إدواردو دوس سانتوس، الذي اجتمعت السلطة كاملة في يديه، بعد انتصاره في الحرب الأهلية، لا يهتمّ الآن باجتذاب الاستثمارات الأجنبية وحسب، بل وبتحديث جيشه أيضاً. وفي الوقت نفسه، وبفضل مواردها من النفط والألماس وتقوية السلطة الحكومية المركزية، يلوح حظّ كبير أمام هذه الدولة الفقيرة حالياً لكي تصبح دولة كبرى إقليمية شبيهة بجمهورية جنوب أفريقيا.
وقد أدّى إقرار الحكومة الأنغولية برنامج تحديث جيش بلادها إلى رفع اهتمام كبار المنتجين الدوليّين للأسلحة. وتمّت مناقشة توريد صفقات الأسلحة على أعلى المستويات السياسية بين موسكو ولواندا، ولا سيّما أن تجربة إيجابية كبرى في التعاون العسكري تكوّنت بين الجانبين منذ العهد السوفياتي. ولذا فمن الواضح أن روسيا كانت مهتمّة بعدم ظهور منافسين للمصدّرين الروس في هذه الدولة الأفريقية.
وتستطيع روسيا تقديم استثمارات ضخمة لتوظيفها في الاقتصاد الأنغولي والقيام بتحديث الجيش الأنغولي وبشروط متبادلة المنفعة، لأنّ الشركات النفطيّة الروسية مهتمّة بالحصول على امتيازات للتنقيب عن النفط والثروات الطبيعية الأخرى في أنغولا. والمجمع الصناعي العسكري الروسي معنيّ بالتعاون مع شريكة قادرة على الدفع ولأمد طويل. لكن هذا التعاون لأمر ما لم يبدأ حتى حينه، والبعض يعيد ذلك إلى ثقل خطى «الماكينة البيروقراطية» الروسية وبطئها في دراسة الجدوى الاستراتيجية والسياسية من هذا التعاون.
وهنا يدخل على الخط غايداماك، الذي تربطه علاقات وثيقة وغير معلنة بالنخبة السياسية في أنغولا، وركيزته الأساسية هناك عائلة الرئيس سانتوس، الذي منحه الجنسية الأنغولية، وسلّمه شخصياً جواز سفر أنغولياً باسمه علامة شكر على صفقات الأسلحة «السوداء» السابقة، التي رتبها غايداماك مع الجمهوريات السوفياتية السابقة لأنغولا، لمحاربة المتمرّدين وإنهاء الحرب الأهلية.
ولاحقاً قدّم غايداماك إلى سانتوس رجل الأعمال الروسي ألكسندر نيتشيبوروك، وهو شريكه في صناعة الألماس ورئيس شركة الألماس الروسية العملاقة «ألروسا»، التي تنتج 97 في المئة من ألماس روسيا وتشارك في عدد من مشاريع تطوير مناجم الألماس في أنغولا، رغم استبدال رئيسها بعد ذلك بسبب علاقاته المشبوهة بغايداماك.
وقد اقترح غايداماك على السلطات الأنغولية ترتيب نظام «رمادي» لتصدير أحدث الأسلحة الروسية بسرعة إليها، وخصوصاً صواريخ الدفاع الجوي المحمولة على الكتف. وشوهد صديقه نيتشيبوروك في موسكو وهو يحاول الوصول إلى رئيس المؤسسة الفدرالية الحكومية الروسية لتصدير الأسلحة «روس أوبورون إكسبورت» سيرغي تشيميزوف. غير أنّ نيتشيبوروك، الذي عاش طويلاً في أفريقيا، وصديقه غايداماك المقيم في إسرائيل، لم يدركا حجم التحوّلات التي جرت في روسيا في عهد بوتين، حيث أصبحت تجارة الأسلحة حكراً على الدولة الروسية وهيئاتها ويعود لها وحدها بت ذلك، وقد أُحيطا علماً بإمكان رفع دعوى قضائية عليهما بتهمة التجارة غير المشروعة.
المراقبون لا يستبعدون أن يلجأ غايداماك إلى السوق الدولية «السوداء» في الجمهوريات السوفياتية السابقة لترتيب صفقة الأسلحة المطلوبة لأصدقائه الأنغوليين، هذا بالطبع إذا لم تسبقه هيئات التسليح الروسية الحكومية للتحرّك، وذلك ما يفضّله الجانب الأنغولي.