strong>مهدي السيد
استحوذت المواجهات الدامية بين حركتي «حماس» و«فتح» في قطاع غزة، على اهتمام الصحف الإسرائيلية، حيث ركّز المحلّلون والمعلّقون على طبيعة المواجهات الدائرة ومآلاتها، وعلى طبيعة الموقف الإسرائيلي منها، فضلاً عن التداعيات الداخلية والخارجية لها.
رأى المراسلان آفي يسيسخروف وعاموس هرئيل، في «هآرتس»، أن ما يجري في قطاع غزة هو حرب أهلية، وأن الجانب الإسلامي هو المنتصر فيها.
وتطرّق المراسلان إلى النتائج المرتقبة لهذه المواجهات، فأشارا إلى أنه ستكون للنتائج المترتبة عنها آثار بعيدة المدى، ليس على صعيد مستقبل السلطة الفلسطينية فحسب، بل على صعيد علاقاتها بإسرائيل أو بالمنطقة عامة. ومن نتائجها، بحسب يسيسخروف وهرئيل، أن الحلم الفلسطيني القديم في دولة كاملة يسير نحو التلاشي، كما أن خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش، المُزمع إلقاؤه في الرابع والعشرين من حزيران، سيخضع لتغييرات ذات شأن.
وعلى المستوى الداخلي الفلسطيني ومستقبل الكيان السياسي للفلسطينيين، يعتقد الكاتبان أن «سيطرة حماس على القطاع، التي بدت أمس أقرب مما كانت في أي وقت مضى، قد تُقسّم المناطق الفلسطينية الى كيانين سياسيين، بل ثقافيين، مستقلين: دولة حماس (في القطاع)، ودولة فتح ( في الضفة الغربية).
من جهته، رأى معلق الشؤون الفلسطينية في صحيفة «هآرتس»، داني روبنشتاين، أن ما يجري في الآونة الأخيرة في غزة هو حل وتفكيك للسلطة الفلسطينية. والسبب الرئيس لهذه المشكلة، بحسب روبنشتاين، هو أن فتح، برئاسة الرئيس محمود عباس، رفضت المشاركة الكاملة لـ«حماس» في أجهزة السلطة رغم أن «حماس» فازت قبل اكثر من سنة بأغلبية حاسمة في الانتخابات البرلمانية. ورأى روبنشتاين أن السبب الذي دعا حركة «فتح» الى عدم قبول حسم الناخب الفلسطيني هو طلب كل العالم منها ذلك، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا ومعظم الحكام العرب وبالطبع إسرائيل ـــــــ حثّوا «فتح» على عدم التعاون مع حماس في السلطة.
ورأى روبنشتاين في حل السلطة الفلسطينية مخرجاً وحيداً لحركة «فتح» من هذا الواقع. ويذهب أبعد من ذلك ليرى أنه من ناحية فلسطينية، فإن تصفية السلطة الفلسطينية هو السلاح شبه الوحيد للفلسطينيين ضد اسرائيل، على اعتبار أن «الفراغ السلطوي في غزة، وبعد ذلك في الضفة، لا يمكنه أن يبقى كذلك لزمن طويل وسيتعين على اسرائيل أن تفرض هناك القانون والنظام ــــــ تعيد احتلال المناطق الفلسطينية وتتحمل المسؤولية، وهو أمر لا يريده أحد في اسرائيل».
وتطرق المراسل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى طبيعة الموقف الذي سيتعين على إسرائيل اتخاذه في ضوء المواجهات الدائرة في قطاع غزة، فقال إنه في النهاية لن يكون هناك مفر، وإن الدولة العبرية ستضطر إلى الدخول الى قطاع غزة، مشيراً إلى أن هذه المسألة خارج أي جدال، على الأقل في المؤسسة الأمنية. وإذ أشار إلى أن المسألة تتعلق بالتوقيت فقط، لفت إلى أنه يبدو «أن حتى التوقيت لم يعد حقاً في أيدينا».
ورأى فيشمان أنه ليس للحكومة الإسرائيلية سياسة أمنية حيال قطاع غزة، وأن القيادة السياسية تبث للجيش رسالة واحدة: لا تتورطوا هناك. في المقابل، قال فيشمان إن كل شيء يمكن أن يتغير من دون أي إنذار مسبَّق، وبالتالي فهذا وضع شبه مستحيل من عدم اليقين ينبغي للجيش الإسرائيلي أن يتصدى له.
وعلق فيشمان على الأسئلة المطروحة عن طبيعة المواجهة بين حماس وفتح، فقال إنه «اذا كانت حتى بضعة أسابيع، في الجولة السادسة للعنف منذ صعود حماس الى الحكم، فكنا لا نزال نرغب في الاعتقاد بأن الحديث يدور عن مواجهة سياسية داخلية، فاليوم، في الجولة السابعة لم تعد هناك شكوك: هذه حرب أهلية وحشية مع لحظات هدوء قصيرة للعق الجراح وجمع القوى». وختم مكرراً ما سبق له أن أشار اليه من أنه «في النهاية لن يكون لنا مفر. سنضطر للدخول الى هناك كي نفكك القنبلة الموقوتة التي تبنى لنا أمام أعيننا».
من جهته، رد مراسل الشؤون العربية في صحيفة معاريف، جاكي حوجي، أسباب اندلاع المواجهات إلى احساس حماس بالحصار. وقال إن «قادة الحركة ادعوا من اليوم الأول لإقامة حكومتهم، في أعقاب الانتخابات، أن العالم بأسره اتّحد لإسقاطهم. زعمهم مبرر. اسرائيل، أميركا، الاتحاد الاوروبي وكذا الدول العربية – جميعهم حاولوا خنق الوليد في مهده»، وهو يلتقي في ذلك مع ما قاله روبنشتاين في هآرتس.
بيد أن حوجي يخالف زملاءه عندما يرى أن «المعركة في غزة ليست حرباً أهلية، بل مواجهة بين منظمتين عسكريتين تتصارعان على السيطرة على بؤر القوة على ظهر الشعب».
وعلى صعيد تداعيات المواجهات على مستقبل الكيان السياسي الفلسطيني، يتفق حوجي مع يسيسخروف وهرئيل، فيؤكد أنه اذا نجحت حماس في المعركة، «فسنشهد هنا واقعاً جديداً. واقع دولتين فلسطينيتين: حماستان في غزة وفتح لاند في الضفة الغربية». وبالتالي فإن «إسرائيل ستكون مقيدة بالأصولية الإسلامية. من الجنوب حماس، ومن الشمال حزب الله».