حيفا ــ فراس خطيب
عناوين الموت و«قتل الذات» الآتية من قطاع غزة، والممتدة
نحو الضفة الغربية، أضفت على إحساس الفلسطينيين، في كلّ مكان،
شعور «ما بعد الاستياء العارم» و«ما بعد تجاوز عشرات الخطوط الحمراء»


ردود فعل فلسطينيي 48 تبتعد في فحواها عن الحديث السياسي. لا نقاش حول الاقتتال. غالبيّتهم لا يخوضون في نوايا طرف ضدّ آخر. بالنسبة لهم «من يرفع سلاحاًَ في وجه أخيه ويقتله، ليس فلسطينياً، ولا يمتّ بصلة إلى المصلحة الفلسطينية»، يقول مهنّد، الطالب في جامعة حيفا.
غزة اليوم لم تعد كما كانت. تحوّلت من ساحة للصمود إلى ساحة اعتراك داخلي يفكّك الصمود. ويبدو عجز الفلسطينيين واضحاً أمام هذا الواقع المرير. فلم يعتادوا على مثل هذا الواقع.
وفي حديث لـ«الأخبار»، قال صحافي يتابع حدث الاقتتال «تخيّل أنّني فتحت بريدي الإلكتروني اليوم ووجدت بياناً رسمياً» يصف ما يجري في غزة بـ«معركة التطهير التي تشنّها القوّة التنفيذية على مقارّ الخزي والعار». ويضيف «أنا أسأل اليوم، أين وصلنا؟ هل هذا هو الشعب الذي أردناه حياً، هل هذا مثال الصمود الذي اقتدينا به؟».
يتدخّل وليد، شاب آخر حاضر على الحديث، بالقول «لو أنّ هذا التنظيم، وهذا التكتيك القتالي، وهذه الخطط الموضوعة اليوم، وُجّهت إلى الاحتلال الإسرائيلي لما احتُلّت غزة أصلاً».
الهمّ يتضاعف حين يصل إلى الإعلام العبري، المتفرّج حالياً. غالبية المعلّقين يتّخذون الاقتتال من وجهة نظر واحدة: «كيف سيؤثّر هذا على إسرائيل».
وفي هذا السياق، دار نقاش أمس على أثير إذاعة الجيش الإسرائيلي بين مذيعين، قال الأول «كان الفلسطينيّون يقيمون الدنيا ويتّهمون الجيش بأنه لا يحترم حقوق الإنسان وأنّه يطلق النار على سيارات الإسعاف. انظر (الحديث موجّه إلى الإذاعي الثاني) اليوم إلى المعارك الدامية الحاصلة في المستشفيات». فردّ الآخر بسخرية «المشكلة أنّهم يلوموننا بهذا أيضاً!».
الأحزاب العربيّة في مناطق الـ 48 متّحدة هي أيضاً على الموقف نفسه القائل بأنّ ما يجري «يضرّ فقط بالقضية الفلسطينية». يقول الناطق الرسمي باسم «الحركة الإسلامية» الشق الشمالي (بقيادة رائد صلاح)، زاهي نجيدات، إنّ على الطرفين أن يتذكّروا بأنّ الاتفاق خرج من مكّة. ويضيف أنّ ما يجري في القطاع «يسرّ العدوّ ويحزن الصديق»، موضحاً أنّ «من شأن هذا أن يلحق الضرر بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني» وداعياً الطرفين إلى الاستجابة لـ«نداء العقل».
أمّا النائب عن «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» محمّد بركة، فيرى من جهته أنّ ما يحدث اليوم، لم يعد «يسمّى اقتتالاً داخلياً» بل هو «فتنة منظّمة ضدّ المشروع الوطني الفلسطيني».
ويوضح بركة أنّ «إمارة غزة لا تدخل ضمن طموحات الشعب الفلسطيني»، مشيراًَ إلى أنّه في ظلّ ما يدور «من انهيار وطني وأخلاقي، حيث يعدم الناس في البيوت والمستشفيات والشوارع، لا يجوز أن تظلّ المواقف عمومية».
ووصف النائب عن «التجمّع الوطني الديموقراطي» في الكنيست، واصل طه، في لقاء مع «الأخبار»، ما يجري بأنّه «مأساة تقوّي نظرية الإسرائيليين حول أنّ الشعب الفلسطيني لا يستحقّ دولة».
ويشدّد طه على أنّ استمرار الاقتتال «سيؤثّر على الفلسطينيين في كل مكان، وسيؤثر على السياسة الإقليمية وتعاطيها مع القضية الفلسطينية»، مستنكراً «هذا الفلتان الأمني»، وداعياً الطرفين إلى «الاتّفاق الفوري قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة».
وفي بيان له، ناشد «التجمع الوطني الديموقراطي» القيادات الفلسطينية نبذ العنف والقتال واتّباع لغة الحوار. وحمّل هذه القيادات مسؤولية «سفك الدماء وخرق كلّ المحرمات والخطوط الحمر».
وأكّد البيان «على ضرورة إدانة الجرائم التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني بأيد فلسطينية» وإدانة كل القوى والقيادات «التي تقف وراء هذه المواجهات، التي تخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية بغضّ النظر عن نواياها وشعاراتها».
كثيرون من ينظرون بسخط إلى الحال السيئة. في مثل هذا الشهر من العام الماضي، كانت غزة رمزاً للصمود. في حزيران الماضي، وفي نفس هذا الأسبوع، سقطت القذيفة الإسرائيلية على شواطئ غزة واستشهد ثمانية أفراد من عائلة غالية، التي كانت رواية من روايات المأساة والصمود للشعب الفلسطيني خصوصاً في غزة. اليوم، وعوضاً عن إحياء ذكرى من استشهدوا، فضّل المنفلتون إحياء الذكرى بالانفلات في شوارع غزة.