طهران - طارق ترشيشي
لم يكن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مبالغاً عندما حذّر، على مسامعنا عندما التقيناه في مقرّه المتواضع في طهران، الولايات المتحدة من التعرّض لبلاده، فما هي عليه إيران اليوم لا يوحي بقلق لديها: هي متماسكة داخلياً بعوامل خارجية لمصلحتها


يختلف نجاد بمواصفاته عن كثير من نظرائه من رؤساء العالم. فهو آسر في تواضعه وزهده، لم يقطن قصور الشاه البهلوي، وما أكثرها، بل اتخذ بناءً متواضعاً مكتباً له. سمّاه الإيرانيون «صديق الشعب» عندما انتخبوه رئيساً لبلدية طهران التي جاء منها إلى سدّة رئاسة الجمهورية.
قصدناه بناءً على دعوته، ولم يقيّدنا أي «بروتوكول»، كما حالته، إلا في زياراته الرسمية وما يرافقها من إجراءات أمنية لحمايته. هو في إيران يتصرّف كأي مواطن عادي، سليل عائلة متواضعة، ورصيده أنّه كان ولا يزال من جيل «الثورة الإسلاميّة» وناشطيها منذ أيام الإمام الخميني إلى أيام مرشدها الحالي السيد علي خامنئي.
نجاد إنسان هادئ، متواضع بغير لين، لا ينفعل ولا يتململ من أيّ سؤال يوجّه إليه، وإن أراد عدم الإجابة المباشرة عن أي سؤال، فإنه يفعل ذلك بطريقة لبقة، من دون أن يشعر سائله بأي تجاهل لسؤاله.
في حركته وكلماته تخاله معجّلاً كأنه يسعى أبداً في مطاردة الزمن، ساعياً لتحقيق ما أمكنه من إنجازات لبلاده وشعبه، ومركزه الرئاسي لم يفقده صلته اليومية بالناس الذين كان يتواصل معهم كل يوم في شوارع طهران عندما كان رئيساً لبلديتها.
دخل علينا هادئاً في القاعة حيث كنّا ننتظره، من باب جانبي، يؤدّي إلى مكتبه على الأرجح، فألقى التحية وجلس إلى طاولة متواضعة خلف مذياع وحيد، وراح يجيب عن الأسئلة من دون أي تردّد.
وبعد مقدّمة، حرص على أن ينوّه فيها بمزايا الخميني الذي تحلّ ذكرى رحيله الـ 18، فيصفها بأنّها «حدث كبير وعظيم في تاريخ الشعب الإيراني والبشرية»، ردّ نجاد سبب النزاعات بين مختلف الإثنيات والقوى المتعدّدة إلى «التخلّي عن وجود الله في الكون».
ثم لفت إلى أن «كثيراً من الممارسات السياسية في مجتمعات اليوم تظهر انحسار الصدقية والوفاء والعدالة» التي هي أساس الحياة السعيدة.
لدى الرئيس الإسلامي ثقة كبيرة بالمستقبل «لأنّ جبهة المقاومة والصمود والعدالة والعزّة لدى شعوب المنطقة ستتوسّع»، وأمامها «سيضعف نفوذ العدو» الذي «سيصبح مكروهاً أكثر»، وستكون «السنوات المقبلة سنوات انتصارات متكرّرة في المنطقة».
عندما ينظر نجاد إلى ما حول إيران وما يحصل في العراق، يشير إلى أنّه ليس في سلوك الأميركيين في ذلك البلد أي ازدواجية «وإنما نرى أن المحتلّين ضلّوا الطريق». ويوضح أنّ «زعمهم، وهو من أكثر النكات إضحاكاً، أنّهم جاؤوا بمئات الألوف من الجنود للمساعدة على إقامة نظام ديموقراطي، فإذ بهم يحتلون هذا البلد وينتهكون سيادته ويتدخلون في شؤونه الداخلية».
ويشير إلى أنّه «على رغم ذلك، فإنهم (الأميركيّين) يتّهمون بلدان الجوار العراقي بالتدخل في شؤون» بلاد الرافدين. ويقول «نحن كنّا نصحناهم بألّا يدعموا (الرئيس العراقي السابق) صدام (حسين) ضدّ مصالح شعوب المنطقة، ولكنّهم دعموه وجهّزوه ضد شعبنا، ثم احتلّ الكويت»، مبيّناً أنّه لهذا السبب « جاؤوا بذريعة إسقاط صدام، فاحتلّوا العراق».
ويتابع «قلنا لهم إنّ صدّام سقط فلا تبقوا في العراق لأنّ شعبه لا يتحمّل الاحتلال، فلم يستمعوا إلى ما قلناه، وحاولوا نهب الشعب العراقي واستخدام موقع العراق الجغرافي لخدمة مخططاتهم».
وبلغة الواثق بالنفس، يقول نجاد إنّ «المهيمنين الذين دخلوا منطقتنا منذ بداية القرن العشرين وصلوا إلى نهاية الطريق»، ويلفت إلى أنّ «التدخّل والنهب اللذين امتدا لمئة عام قد انطوت صفحتهما» لأنّ الغرباء «يستخدمون الآن أقصى طاقاتهم للحفاظ على هيمنتهم»، مشدّداً على أنّ «شعوب المنطقة بدأت تتصدّى لهم، وهم في كلّ يوم يمرّ يتقهقرون إلى الوراء، فيما دول المنطقة تتقدّم، ولن يكون للمتغطرسين في المستقبل مكان».
ويستبعد الرئيس الإيراني قدرة الأميركيّين على إنتاج نزاعات جديدة في المنطقة، ويؤكّد أنّه لا يوجد 10 في المئة من شعوب المنطقة يؤيّدون سياسات هؤلاء، ويقول «نتحداهم أن يجروا استفتاءً أو استطلاعاً حول هذا الموضوع، إن هذه القوى لا سبيل أمامها سوى سبيل التعاطي بمودّة مع الشعوب».