غزة ــ رائد لافي
«الفتحاويون» تواروا عن الأنظار ولسان حالهم: كيف ستحكم «حماس»؟


«مال الشعب عاد إلى الشعب، دحلان دحل، اللهمّ انصر حكّامنا الجدد». عبارات طغت على مشهد مأساوي حاول أبطاله تجميل وتبرير الدور الذي أدّوه في نهب وسرقة مقار ومنازل حكّام «العهد البائد»، كما فضّل البعض منهم تسميته.
صور أعادت إلى الأذهان مشاهد دحر الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة في 12 أيلول 2005، عندما اقتحم آلاف الفلسطينيين المستوطنات المُخلاة واقتلعوا كل ما طالته أيديهم، فيما ذهب آخرون إلى حدّ تشبيه سقوط المؤسسة الأمنية في قبضة «حماس» بالمشاهد التي رافقت «سقوط بغداد».
فلسطينيون من أعمار مختلفة، بدا على وجوههم البؤس والفقر الشديدان، كانوا أول من وصل إلى منزل القيادي «الفتحاوي» محمد دحلان، فانقضّوا عليه ومحتوياته كما يحطّ الجراد على الزرع.
ساعة واحدة كانت كفيلة أن تحوّل منزل دحلان إلى أثر بعد عين، فهناك ترى من حمل على ظهره مقعداً أو بقايا إطار نافذة تقاسمها وأخرى ليبيعها خردة وآخرون اقتلعوا ألواح القرميد الصغيرة قطعة قطعة. أما من امتلك وسيلة نقل سواء ميكانيكية أو عربة كان أوفر حظاً في نقل الأبواب والأدوات الصحية والشتل والزينة والديكورات الخشبية.
واحد ممن تمكّنوا من نهب أثاث من منزل دحلان، افترش شارع عمر المختار في ساعات الفجر الأولى بأريكة فاخرة من الخيزران وبجوارها شجرة زينة وأدوات صحية. ونادى بأعلى صوته لبيع هذه المقتنيات للمارة مدللاً على قيمة ما حصل عليه «كنباية دحلان، حمام دحلان بمئة شيكل (20 دولاراً) يلا بدنا نروح ونصرف في البريج» (أحد مخيمات وسط القطاع).
وتلتفت إلى الجهة الأخرى لترى من يحمل على عربة، السيراميك وخلاطات المياه وهاتفاً مقطّع الأسلاك وسجادة وفراشاً. أمّا المارة ممن وصلوا متأخرين فاكتفوا بالتهام ثمار الخوخ قبل أن تقتلع هذه الشجرة من حديقة منزل دحلان، الذي تحوّل إلى خرابة.
وينتقل بك المشهد إلى مقر الرئاسة «المنتدى» على شاطئ بحر غزة، الذي اقتحمه آلاف الفلسطينيين رغم الوجود المكثّف لـ«كتائب القسام» والقوة التنفيذية، اللتين شُغلت الغالبية العظمى من عناصرهما في نقل سيارات موكب الرئيس محمود عباس ووثائق ومستندات مكاتب الرئاسة إلى مقارّهم.
ولم يخلُ مقرّ الرئاسة من مشاهد مضحكة مبكية؛ فاثنان من الملثمين تشاجرا على ملكية سيارة سوداء رباعية الدفع اخترقت جنباتها الأعيرة النارية، أحدهما يمسك بقبضة باب السيارة المغلقة ويطالب الآخر بالمفتاح كي يثبت ملكيته الجديدة لها. وآخران دبّ الشجار بينهما على خلفية من له الحق في قطعة سلاح وُجدت في أحد أدراج مكاتب الرئاسة.
وفي المقر ــــــ جلس مسلح ملثم إلى مكتب الرئيس الفلسطيني وأعلن نهاية السلطة في محادثة هاتفية تخيّلية مع الولايات المتحدة. وقال، متحدثاً عبر هاتف على مكتب عباس، «مرحباً كوندوليزا رايس لا يوجد غيري. أبو مازن غير موجود». ثم دخل غرفة نوم عباس بجوار مكتبه وغسل وجهه ويديه ونظر إلى نفسه في المرآة قبل أن يشرب مياهاً معدنية من زجاجة كانت تقدم إلى عباس ليشرب منها.
أما المدنيون الذين وصلوا إلى هذا المقر الدسم بمقتنياته من مختلف مناطق القطاع، فاختلفت غنائمهم كل حسب قدرته، ووسيلة النقل التي يمتلكها؛ فهناك من خرج مبتسماً لتمكّنه من تعبئة سيارة نقل كبيرة بالأثاث والمقتنيات الأخرى، وآخرون اكتفوا بما استطاعوا حمله جسدياً.
وفي المقابل، توارى أنصار وأتباع «الجبهة المنهزمة» عن الأنظار، وفضّل الكثيرون منهم التزام منازلهم وعدم مغادرتها، وسط حال من الخوف الشديد، من الخطوات الحمساوية المقبلة.
وقال صحافي «فتحاوي»، لـ«الأخبار»، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، «لقد وقع المحظور وقامت إمارة حماستان في غزة التي ستغيب عنها الحريات واحترام مبادئ حقوق الإنسان». وأشار إلى أن سؤالاً محيّراً يسيطر على تفكيره منذ إعلان سقوط المؤسسة الرسمية فعلياً في قبضة «حماس»، وهو «كيف ستحكم حماس غزة»، متوقعاً أن يزداد القطاع فقراً وفوضى وفلتاناً في قابل الأيام.
وعلّق «أبو العبد» من مخيم الشاطئ باكياً «الخونة قتلونا تحت ستار الدين، أعدموا أولادنا واعتدوا على نسائنا وأبو مازن (عباس) يتحمّل مسؤولية تدميرنا. نحن مقبلون على مستقبل مظلم وقاتم».