واشنطن ــ محمد دلبح
مرتزقة الاحتلال الأميركي للعراق، حالة تبرز «التعاقد الأسود»، الذي يغطّي حجم القوّات الرئيسي وحجم الاستغلال في ميدان قتالي يزداد استهدافه للعدوّ السهل باطّراد


يسبّب احتلال العراق مقتل 9 من المرتزقة العاملين مع القوّات الأميركيّة أسبوعياً، وهي نسبة تعادل تقريباً ثلاثةأمثال ما كانت عليه الحال خلال العام الماضي، فيما تظهر إحصاءات الحكومة الأميركية أنّ غالبية قتلى «مرتزقتها» في بلاد الرافدين هم من غير الأميركيين.
وتتراوح الوظائف التي يقوم بها المرتزقة، وغالبيّتهم عراقيّون ومن جنسيات أخرى من أكثر من 30 دولة نامية، بين حراسة كبار المسؤولين الأميركيين والترجمة والطهو وقيادة الشاحنات وتنظيف المراحيض وصيانة أنظمة الأسلحة والكمبيوترات.
ويتعامل الاحتلال مع شركات المرتزقة من خلال «مكتب برنامج العراق والتعاقد» الموجود في السفارة الأميركية في بغداد.
وفي تقرير أعدّه في شباط الماضي، قال رئيس مجموعة العمل لشؤون المرتزقة التابعة للأمم المتحدة خوسيه برادو، إنّ المرتزقة العاملين في العراق يؤلفون اليوم القوّة العسكرية الثانية بعد الجنود الأميركيين، حيث هناك «177 شركة على الأقل تستخدم على الأرجح 35 ألفاً إلى 40 ألف مرتزق غالبيتهم عناصر شرطة سابقون وعسكريون يتم تجنيدهم من الفيليبين والبيرو والإكوادور وجنوب أفريقيا ونيبال وسيريلانكا والهند وباكستان».
وترصد وزارة العمل الأميركيّة حصيلة القتلى في صفوف المرتزقة بناء على ادّعاءات مقدمة بموجب وثيقة تأمين في إطار قانون «قاعدة الدفاع»، الذي ينصّ على أن جميع المتعاقدين و«المتعاقدين من الباطن» مع الحكومة الأميركية العاملين خارج الولايات المتحدة يجب أن يستخرجوا وثائق تأمين لموظفيهم المدنيّين.
ومن أشهر شركات المرتزقة العاملة في العراق، شركتا «بلاك ووتر» الأميركية و«دينكورب». فيما تُعدّ شركة «كي بي آر»، وهي فرع لشركة «هاليبرتون» للخدمات النفطية التي كان يترأّسها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، من أكبر مستخدمي المرتزقة حيث يصل عددهم لديها إلى نحو 50 ألف شخص.
وتقول وزارة الخارجية الأميركية إنّ كلفة الأمن الذي توفّره تلك الشركات تراوح ما بين 16 و22 في المئة من مشاريع إعادة الإعمار في العراق، أي نحو 4 مليارات دولار، فيما يُلاحظ توظيفها لآلاف من قوّات «البشمركة» الكردية.
وطبقاً للإحصاءات، مقابل كلّ جندي أميركي قتل في العراق خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، هناك أربعة من المرتزقة الأجانب لقوا حتفهم، فيما تُظهر الارقام الرسمية أن 916 منهم قضوا منذ غزو بلاد الرافدين في آذار من عام 2003. ويتسارع معدّل مقتلهم باطراد.
وبحسب إحصاء قدّمته وزارة العمل الأميركية للمفتش العام الخاص لشؤون إعمار العراق ستيورات بوين، فإنّ من بين أولئك القتلى 224 مواطناً أميركياً.
ويرى الصحافي الأميركي البارز جيرمي سكاهيل، الذي نشر أخيراً سلسلة تقارير في صحيفة «لوس أنجلس تايمز» تحت عنوان «مرتزقتنا في العراق»، أنّه إلى جانب قتلى المرتزقة فقد جرح أكثر من 7700 منهم، وأن شركات توظيفهم توفّر غطاءً سياسياً للبيت الأبيض من خلال السماح له بمضاعفة قوّات احتلاله في العراق عن طريق القطاع الخاص والتعتيم على الحجم الحقيقي للخسائر البشرية، فيما لا نظام يحاسبهم أو يُخضعهم ولا قانون عسكري أو مدني يمكن تطبيقه في ما يتعلق بنشاطهم.
ويوضح سكاهيل أنّ سلطات الاحتلال أصدرت القرار الرقم 17 عام 2007، الذي يمنح حصانة للمرتزقة من الخضوع للقضاء في العراق، ناقلاً عن أحد المتعاقدين قوله إنّه «إذا تسرّبت أنباء عن احتمال الادّعاء على أيّ شخص منهم يجري تهريبه إلى خارج البلاد فوراً».
ويضيف الصحافي الأميركي أنّه رغم عددهم الكبير وما يقترفونه من انتهاكات «تم توجيه تهمة إلى اثنين فقط من المرتزقة، أحدهما طعن زميله وآخر كانت في حوزته صور إباحية لطفل في سجنه في أبو غريب»، مشيراً إلى أنّه لم تجر إدانه أيّ من «المرتزقة العسكريين».
وتبيّن الزيادة في الخسائر في صفوف المتعاقدين ازدياد هجمات المسلّحين على «الأهداف السهلة» والنموّ المطرد في عدد شركاتهم، التي يقترب عدد موظفيها من 130 ألف مرتزق يساندون نحو 160 ألف جندي أميركي، وهو معدّل لم يسبق له مثيل في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
وفيما لا يقلّ راتب المرتزق الأميركي عن 150 ألف دولار سنوياً، وأحياناً يتلقى بعضهم ألف دولار يومياً، فإنّ معدّل ما يتلقّاه «غير الأميركي» لا يتجاوز 7 آلاف دولار سنوياً، بمعدّل 12 ساعة عمل يوميّاً من دون عطَل لمدّة عامين.
وتضع شركات الأمن الخاصّة مسألة تفاوت الأجور في سياق مستوى المهارات والتدريب والمعدّلات النسبية للدخول في الولايات المتحدة والبلدان النامية. وترى أن البحث عن عمّال قليلي التكلفة «ممارسة تجارية معمول بها».
ويؤلف الفيليبينيون إحدى أكثر مجموعات الجنسيات عدداً، وهم من أكثر الفئات التي تجأر بالشكوى من تباين الأجور والعمل في ظروف تتدنّى كثيراً عن تلك التي يحظى بها متعاقدون من الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغربية.
ويلفت رئيس «اتّحاد عمليّات السلام الدولية»، وهي مجموعة تجارية تضم 35 شركة أمن خاصة، دوج بروكس، إلى أنّ «هناك عولمة حيث تبحث الشركات ببساطة عن أفضل الطرق من حيث فاعليّة التكاليف لأداء الأعمال».
ويوضح بروكس أنّ الأميركي يتوقّع ضعف مرتّبه عند العمل في العراق، والهندي والبنغلادشي يتوقعان الحصول على عشرة أمثال ما يتقاضاه أحدهما في بلده من خلال الذهاب الى العراق. وهو ما يعني أنّ سائق الشاحنة الفيليبيني يتقاضى لدى عمله في العراق 500 دولار، فيما يحصل الأميركي لقاء الوظيفة نفسها 2000 دولار.