غزة ــ رائد لافي
«الفتحاويون» يفرّون إلى الضفة ومصر... والموظفون حائرون بين «حكومتين»


فيما لا يزال التوتر سيّد الموقف في الضفة الغربية، لجأت حركة «حماس» في غزة إلى ابتداع جديد لم تعهده الساحة الفلسطينية من قبل بعقد «محاكم شعبية» لعدد من نشطاء «فتح» في الجبهة المنهزمة، بعدما غابت معالم الحياة السياسية والقضائية عن قطاع غزة.
واستعاضت حركة «حماس» عن استدعاءات الحضور وقرارات إلقاء القبض التقليدية بحسب القانون الوضعي، بالإعلان عن جلسات «المحاكمة الشعبية» عبر مكبرات الصوت في المساجد، لمحاكمة عدد من نشطاء «فتح» الموالين لما تطلق عليه «التيار الخياني».
وأصدر علماء دين ومختصون في الشريعة الإسلامية من قادة «حماس»، تقمّصوا دور القضاة في هذه «المحاكم»، حكماً بالعفو العام عن «المتهمين» خلال جلستين لـ«المحكمة الشعبية» عقدتا في بلدة بيت لاهيا (شمال القطاع) ومخيم النصيرات (جنوب غزة).
واستجاب مئات الفلسطينيين للدعوة، التي وجهتها حركة «حماس» عبر مكبرات الصوت في أحد مساجد بلدة بيت لاهيا، لحضور محاكمة أربعة من مساعدي القيادي البارز في «كتائب شهداء الأقصى» وأمين سر حركة «فتح» في شمال القطاع جمال أبو الجديان، الذي قتله مسلحون من «حماس» خلال المعارك الدامية.
وبدأت جلسة المحاكمة بإجراءات تشبه إلى حد كبير الإجراءات التقليدية في المحاكم القانونية، لكن من دون وجود «هيئة دفاع»، حيث تلا أحد نشطاء الحركة آيات من القرآن، قبل تلاوة «اعترافات» المتهمين الأربعة، ومن ثم قرار العفو.
وفي مخيم النصيرات عقدت «حماس» جلسة محكمة مشابهة، لأحد نشطاء حركة «فتح». وبحسب سكان في المخيم، فإن نشطاء من حركة «حماس» أحضروا المتهم المذكور في «كيس» حيث أقرّ بالمشاركة في عمليات إطلاق نار، قبل أن تصدر «هيئة القضاة» حكماً بالعفو العام عنه.
في المقابل، وصف نشطاء من «فتح» المحاكم الشعبية بأنها تشبه «محاكم التفتيش»، التي سادت في أوروبا خلال العصور الوسطى.
في هذه الأثناء، واصل نشطاء من «فتح» في غزة الاعتكاف في المنازل، والتحرك في نطاق ضيق بحسب ما تقتضي الضرورة. ولليوم الرابع على التوالي منذ «النصر الحمساوي»، أصاب «الشلل» الوزارات والمؤسسات الرسمية التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة، جراء عدم استجابة الموظفين الموالين لحركة «فتح» لدعوات «حماس» بالعودة إلى وظائفهم وأعمالهم.
وجندت حركة «حماس» العشرات من نشطائها، الذين ارتدوا سترات تشبه تلك التي ترتديها شرطة المرور، ونشرتهم على امتداد القطاع لليوم الثاني على التوالي، لتنظيم حركة المرور، في ظل التزام أفراد الشرطة منازلهم، واستجابة عدد محدود منهم لدعوات العودة إلى العمل.
وقال أحد أفراد الشرطة، المرابط على معبر بيت حانون «إيرز» في انتظار السماح له من قبل سلطات الاحتلال للوصول إلى رام الله، «فضلت الهروب من غزة، والبعد عن أهلي ومنزلي، وعدم انتظار وقوع الكارثة التي ستجلبها حماس على سكان القطاع». وأضاف «دولة حماس في غزة لن تصلح للعيش إلا لمن يحمل الفكر الحمساوي المتشدد، أما غيرهم فسيكونون مواطنين من الدرجة الثالثة وربما العاشرة».
وينتظر، لليوم الثالث على التوالي، بضع مئات من سكان القطاع، غالبيتهم من فئة الشباب، على معبر بيت حانون، السماح لهم باجتياز المعبر إلى الضفة الغربية، للهروب مما وصفوه بأنه «جحيم غزة».
وقضى عبد العزيز، الذي فضل ذكر اسمه الأول فقط، اليومين الماضيين في حيرة شديدة من أمره، لم يتمكن خلالها من اتخاذ قرار سواء بالاعتكاف في المنزل، بحسب أوامر «دولة فتح في الضفة»، أو العودة إلى العمل تلبية لدعوة «الحاكم الجديد لغزة». وقال «لا يوجد ضحية لما حدث سوانا، فالطرفان سيعودان يوماً إلى طاولة الحوار، وستذهب دماء الضحايا سدى».
وعلى الجانب المصري من حدود غزة، قالت مصادر أمنية إن عشرات العناصر التابعة لأجهزة الأمن الوطني والأمن الوقائي ونشطاء في «كتائب شهداء الأقصى» قاموا بتسليم أنفسهم خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية إلى السلطات المصرية على الجانب المصري من معبر رفح لطلب اللجوء إلى مصر.
واستطاعت حركة «حماس»، التي نشرت مسلحيها في الشوارع والمفترقات الرئيسية، ضبط الحال الأمنية الداخلية إلى حد كبير بعد غياب المؤسسة الأمنية الرسمية.
وأصدرت «حماس»، أمس، إنذاراً جديداً لمحتجزي مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) آلان جونستون في غزة، مهددة بتحريره بالقوة إذا لم يطلق سراحه خلال 24 ساعة. وقال مسؤول رفيع المستوى من «حماس» لـ«رويترز» «إذا لم يطلق سراحه فسنستخدم كل الوسائل للحفاظ على حياته وإطلاقه».
وفي الضفة الغربية، أعلنت مصادر أمنية أن مجهولين أقدموا، أمس، على حرق منزل رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني المعتقل في إسرائيل عزيز الدويك، في رام الله.