واشنطن ــ محمد دلبح
واشنطن وتل أبيب تعدّان لاستراتيجية «الضفة الغربية أولاً»... وتحذيرات أميركية من «الأوهام»


شدّد الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أمس على دعمهما للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وحكومة الطوارئ التي ألّفها يوم الأحد الماضي برئاسة سلام فياض، ووصفا عباس بأنه «صوت الاعتدال والزعيم الحقيقي الوحيد لكل الفلسطينيين».
واتهم بوش «حماس» بأنها من شن الهجوم على حكومة الوحدة الفلسطينية، كما تعهدا العمل على عزل «حماس» في سياق دعمهما لأبي مازن.
وأعرب بوش وأولمرت قبيل اجتماعهما في البيت الأبيض أمس عن أملهما في أن يتلقّى أبو مازن ورئيس حكومته «دعماً يمكّنهما من قيادة الفلسطينيين في اتجاه مختلف»، فيما قال أولمرت إنه يريد دعم المعتدلين والتعاون مع أبو مازن، مبدياً استعداده لبدء مفاوضات معه. وأضاف «سأبذل كل جهد ممكن للتعاون معه»، مشيراً إلى أن ذلك حيوي لتعزيز أمن إسرائيل، غير أنه اشترط أن تظهر حكومة فياض مزيداً من المسؤولية وأن تزيد جهودها الأمنية.
ويرى خبراء أميركيون في الصراع العربي الإسرائيلي أن التحركات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة ترمي إلى خطوة رئيسية باتجاه ما يمكن تسميته استراتيجيا «الضفة الغربية أولاً»، التي تتدفّق بمقتضاها الأموال والاعتراف السياسي الدولي على الضفة الغربية، وتُترك غزة فقيرة ومعزولة لكي تحكمها «حماس».
وفي سياق «الضفة الغربية أولاً»، قال المدير السابق للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس بيل كلينتون، روبرت مالي، إن «هذا لن يكون مجدياً»، مضيفاً إن «حكومة بوش بعدما صدّقت الوهم أن بمقدورها عزل حماس وإيقاع الهزيمة بها، فهي الآن على وشك أن تتبنّى وهماً خطِراً آخر هو «الموت لغزة وطول العمر للضفة الغربية»، فتغدق على الضفة الغربية الأموال وتعزّز القوات الأمنية لحركة فتح، وتساعد على قيام عملية مفاوضات هادفة». وقال مالي إن هذا الوهم يقوم على أساس أن «الشعب الفلسطيني سيدفع كابوس غزة المدقعة بالفقر إلى الارتماء في أحضان الضفة الغربية، ومن ثم يلتف حول القادة الفلسطينيين الأكثر اعتدالاً وواقعية في التعامل مع الأمور».
ورأى مالي أن «هذا الوهم يعود إلى بضع سنوات ماضية ويبتعد خطوات عن واقع الأمور». وقال «إذا أرادت الولايات المتحدة أن تساعد الرئيس محمود عباس فقد كان الوقت المناسب لذلك عام 2005، عندما خرج من الانتخابات زعيماً بلا منازع للفلسطينيين، وكان في موقع يسمح له بتسويق تنازلات صعبة لشعبه. أما اليوم فعباس لا يحظى بتأييد عدد كبير من الفلسطينيين وأضحى أقل قدرة بكثير عن ذي قبل».
ورأى مالي أن الوضع هو على العكس مع حركة «حماس». وقال «لقد انتفت حركة «فتح» عن كونها حركة متماسكة أيديولوجياً أو تنظيمياً، كما تشهد على ذلك أن غالبية الهجمات ضد إسرائيل منذ الانتخابات شنتها «كتائب شهداء الأقصى»، الجناح العسكري لحركة «فتح»، ضاربة بعرض الحائط مناشدات عباس المتكررة لها بالتوقف». وأضاف «هذه النظرية تفترض أن لحماس نفوذاً ضئيلاً في الضفة الغربية، وهذا غير صحيح. فمن الجائز أن يكون بحوزة «فتح» عدد أكبر من البنادق، لكن «حماس» تظل تتمتع هناك بمساندة سياسية عارمة، وهذا هو الأهم لأن الأمر لا يتطلب منها أكثر من بضعة مسلحين لشن الهجمات ضد إسرائيل ومن ثم تحريض الجيش الإسرائيلي على رد فعل عنيف ضد الضفة الغربية».
واشار مالي إلى أن «السياسة الأميركية منذ أن فازت «حماس» في الانتخابات ساعدت على تقوية القوى المتطرفة، وإضعاف المؤسسات الفلسطينية، وتقويض صدقية الديموقراطية، وإضعاف عباس وتعطيل عملية السلام. فلماذا تتمسك الإدارة الأميركية بمزيد من نفس ما سلف؟».
من جهته، قال المبعوث الأميركي السابق لعملية التسوية في عهد الرئيس كلينتون، دينيس روس، إنه «ليس من شك في أن إسرائيل تراقب عن كثب الوضع في الأراضي الفلسطينية بعد إحكام حركة «حماس» سيطرتها على قطاع غزة وتأليف حكومة طوارئ في الضفة الغربية». غير أنه استبعد عودة إسرائيل للسيطرة على القطاع، وقال «أعتقد أنه ليس لدى الإسرائيليين أي رغبة في العودة إلى غزة، غير أن لديهم، وبكل تأكيد العديد من الوسائل للضغط على حماس نظراً لأنهم يوفرون الماء والكهرباء للقطاع، لكن إذا ما بدأ إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل فحينئذ ستتدنى المعايير التي يعتمدها الإسرائيليّون».
وأضاف روس إن الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية متوتر للغاية ويمكن انفجاره في أي لحظة. وقال «إذا اندلع صراع كبير في قطاع غزة لأن الإسرائيليين عادوا إليه لوقف عمليات إطلاق الصواريخ، فهل يلتزم حزب الله الصمت في المنطقة الشمالية؟ وهل يلتزم السوريون الصمت في الشمال؟ وهذا ما يجعل الوضع قابلاً لانفجار محتمل».