يديعوت أحرونوت ــ رون بن يشاي
تراقب إسرائيل ما يحصل على الساحة الفلسطينية بدقة وحذر شديدين تمهيداً لبلورة استراتيجية جديدة لمقاربة الوضع المستجد. بانتظار ذلك، قدّم المعلق الأمني الإسرائيلي، رون بن يشاي، المعروف بصلاته الوثيقة بالمؤسسة الأمنية في إسرائيل، خطة عمل أولية لمواجهة «حماستان»، شدّد فيها على ضرورة التحرك سريعاً قبل ما وصفه باستحكام الطوق الإيراني على إسرائيل

إذا كنا نرغب في الامتناع عن حرب شاملة على المدى البعيد، فإن من المحظور على دولة إسرائيل تضييع الوقت الآن. وإذا لم نستعد ونتحرك سريعاً وبحزم من أجل اجتثاث «حماستان»، فإن الإيرانيين سيستكملون بعد وقت غير طويل محاصرة إسرائيل بمنظومات من الصواريخ والأنفاق لن تكون أي زاوية في إسرائيل محصنة إزاءها. في المرحلة المقبلة، وفي التوقيت المريح للإيرانيين، أو نتيجة تصعيد على إحدى الجبهات، سيتم تشغيل هذه المنظومة من مبعوثي إيران: سوريا، حزب الله وحماس.
إذا كانت إسرائيل تريد الامتناع عن حرب في المستقبل غير البعيد على هذه الجبهات الثلاث، فإن عليها العمل الآن ضد الحلقة الأضعف في منظومة الحصار هذه، الآخذة بالتشكل أمام أعيننا. إن الكيان الحمساوي في غزة لم يتجذر بعد، وهذه فرصة للاستعداد والعمل ضده بطريقة تحول دون تنامي قوته ودون تمدده إلى الضفة الغربية، وتؤدي في نهاية المطاف إلى اجتثاثه.
رئيس الحكومة تحدث، في طريقه إلى واشنطن عن «فرصة سياسية» يتيحها الوضع الجديد. يمكن الافتراض أنه يقصد الحل الدائم للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني بمشاركة مصر والأردن وبدعم الدول العربية المعتدلة. بيد أن تصريح أولمرت في الوقت الراهن ليس أكثر من حيلة إعلامية تهدف إلى تحسين صورة إسرائيل في نظر واشنطن، وكذلك على الساحة الدولية. التجربة تفيد بأن أوان «الفرص السياسية» على الساحة الفلسطينية يحين فقط بعد أن تضعف أو تُهزم الجهة القوية التي تقاتلنا بحيث لا يكون أمامها خيار سوى القبول بالتسوية السياسية. حالياً، هذه الجهة القوية في الجانب الفلسطيني هي «حماس»، فيما المعنيون بتسوية سياسية، أي أبو مازن ورجاله، يجدون صعوبة حتى في الصمود.
لذلك، بدلاً من التحدث عن «أفق سياسي»، ينبغي لحكومة إسرائيل أن تقرر الأهداف السياسية والعسكرية التي تريد أن تحققها على الساحة الفلسطينية في المديين: القريب والبعيد، وأن تبلور خطة عمل لفعل ذلك.
هكذا خطة يجب أن تتضمن ثلاث مراحل:
أولاً: «احتواء» التهديد الذي تمثله «حماس» في القطاع. والأهداف في هذه المرحلة هي: كبح تنامي القوة العسكرية لحماس، منع سيطرة «حماس»، وتثبيت مكانة السلطة الفلسطينية كجهة حاكمة في الضفة الغربية، منع حصول كارثة إنسانية في القطاع، مواصلة محاربة صواريخ القسام باتجاه النقب الغربي والعمل على تأسيس بنية تحتية إعلامية في الرأي العام الدولي تمهيداً لعملية عسكرية واسعة في القطاع.
ثانياً: تدمير البنى التحتية العسكرية والسلطوية التابعة لحماس من خلال عملية عسكرية واسعة، وإيجاد بنية تحتية استخبارية تسمح بقتال موضعي ناجع في أعقاب خروج الجيش من القطاع.
ثالثاً: دخول قوة دولية إلى القطاع لاستبدال الجيش الإسرائيلي والعمل وفقاً لتفويض تحصل عليه من مجلس الأمن، بموافقة الدول العربية والسلطة الفلسطينية.
إن وجود هكذا قوة لفترة محددة سيسمح بترميم البنى التحتية المدنية وبتدفق المساعدات إلى القطاع، كما أنه سيمنع حصول عمليات ثأرية ويتيح الشروع في مفاوضات سياسية على حل دائم برعاية دولية بين إسرائيل والفلسطينيين ومصر والأردن، على أن يكون هدف هذه المفاوضات ربط الكيان الفلسطيني في غزة بمصر والكيان الفلسطيني في الضفة بالأردن من خلال اتفاقات كونفيديرالية مع كل من الدولتين وترسيم الحدود الدائمة لإسرائيل جنوباً وشرقاً.
ويمكن الافتراض أن مصر والأردن لن تقبلا بالمسؤولية عن وكري الدبابير الفلسطينيين، لذلك يجب ممارسة ضغط أميركي عليها، مقرون بتقديم محفزات.
وإذا لم تستنسب الإدارة الأميركية هذه الفكرة، أو رفضت مصر والأردن السير فيها، فعندئذ ينبغي العودة إلى الخطة السياسية القديمة وهي «دولتان لشعبين»، وإلا فإن أبو مازن سيفقد الضفة أيضاً.
خطة العمل هذه هي بالطبع أساس للتغيير، لكن، من أجل التمكن من اجتثاث حماستان والوصول إلى تسويات سياسية، على إسرائيل المسارعة فوراً إلى الخطوات التالية:
أ‌. السيطرة على معبر رفح، أو على الأقل، منع المرور عبره من سيناء إلى القطاع، وذلك للحؤول دون تدفق التعزيزات الإيرانية إلى حماس. وهذه الخطوة يجب أن تتم بالتنسيق والشراكة مع مصر.
ب‌. عدم تمرير المساعدات الإنسانية إلى القطاع إلا عبر المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأونروا، لا عبر حماس. أما الماء والكهرباء فتواصل إسرائيل تزويدهما بشكل مباشر. وعلى إسرائيل أن تحرص على الترويج لخطواتها في هذا المجال أمام الرأي العام الدولي، من أجل استمالته ولمنع تصوير حماس لها أنها تقوم بتجويع القطاع.
ج. يجب أن يكون أي إجراء لتعزيز مكانة السلطة وأبو مازن في الضفة الغربية مشروطاً بالإصرار على تقديم مقابل من جانبه. ويجب مطالبته بتنفيذ إصلاحات سياسية وعسكرية جذرية داخل فتح والأجهزة الأمنية بشكل يفسح المجال لجيل قيادي جديد. عليه أن يقوم بما قامت به حماس في غزة.
على أولمرت إقناع الإدارة الأميركية باشتراط تقديم المساعدات الاقتصادية لأبو مازن بتلبيته لهذه المطالب، وإلا فإنه لا توجد فرصة لهذا الزعيم الضعيف بالبقاء والحكم.
إذا لم يسبب ما حصل في غزة والضغط الأميركي لأبو مازن الاستفاقة والعمل بحزم، فإن العناصر الإسلامية المتطرفة ستسيطر في نهاية المطاف على الضفة أيضاً.