رام الله ــ سامي سعيد
يخشى الفلسطينيون في الضفة الغربية أن تنتقل الفتنة والاقتتال الداخلي إلى مدنهم ويشاهدوا على الأرض ما كانوا يشاهدونه على شاشات الفضائيات، معربين عن أملهم في منع توسيع رقعة الاقتتال التي تجري في بعض مدنهم والتضييق عليها والعودة إلى الحوار من جديد.
وتباينت آراء أهالي الضفة بين مؤيدين ومعارضين لما قامت به «حماس» في غزة. ويرى المؤيدون أن الفساد الذي كان ينخر أجهزة السلطة في غزة هو الذي أدى إلى سيطرة «حماس» على القطاع. أما المعارضون فيقولون إن ما جرى «انقلاب» على شرعية الرئيس محمود عباس ومخطط لفصل الضفة عن القطاع ويتساوق مع المشاريع الإسرائيلية الأميركية.
لكن الفريقين أجمعا على حرمة نقل الاقتتال إلى الضفة الغربية وضرورة عودة الهدوء إلى مدنها، داعين إلى ضرورة تحصين الضفة وتخفيف حالة الاحتقان السائدة بين الحركتين.
وسارعت حركة «حماس»، التي تتمتع بشعبية أقل من غريمتها «فتح» في الضفة، إلى التعميم على قياداتها وعناصرها بضرورة الاختفاء وتقليل الظهور العلني في المدن الفتحاوية كنابلس ورام الله وجنين، ودعتهم في وقت الحاجة إلى التجول بشكل جماعي كي يصعب الاعتداء عليهم.
أما حركة «فتح»، التي ترى في ما يفعله عناصر «كتائب شهداء الأقصى» بحق عناصر «حماس» جزءاً من الكأس التي ذاقتها في غزة، فإن تياراً محدوداً فيها يرفض ما يجري في الضفة ويدعو إلى حماية وحدة الفلسطينيين وعدم توسيع الاقتتال والحد من التصريحات التي تزيد العداء والجفاء بين الحركتين وعناصرهما.
وقالت آمنة عبد الوهاب (33 عاماً) من مدينة جنين: «ليس من البطولة أن نقاتل بعضنا ويجب أن نعود إلى رشدنا وننبذ الفتنة». وأضافت: «لا أدري كيف يمكن أن يقتل إنسان أخاه، لا الدين ولا الأخلاق تسمح بذلك، والأدهى من ذلك مصدرو الأوامر بالقتل، الذين يختبئون وراء مكاتبهم ويصدرون الأوامر لتوسيع الفتنة».
ودعا أحمد الحاج محمد (29 عاماً) من مدينة نابلس إلى ضرورة وقف التصريحات المؤججة للصراع والاقتتال وفضح كل من يقوم بالتحريض والقتل في الضفة وفي القطاع ورفع الغطاء عنهم وتقديمهم لمحاكمات عادلة.
وشدّد على ضرورة العودة بشكل سريع إلى الحوار خوفاً من انقلاب الأمور وزيادة الاقتتال في الضفة، مشيراً إلى أن سقوط الضفة في مستنقع الفتنة المخزية، سيكون «سقوطاً للمشروع الوطني الفلسطيني وتضييعاً لأحلام الفلسطينيين بالعودة والاستقلال وإقامة دولتهم».
لكن عناصر «فتح»، الذين رأوا أن «حماس» «ذبحت إخوانهم في غزة»، يختلفون مع هذه الآراء ويدعون إلى محاربة الحركة في الضفة. وقال الناشط في «كتائب شهداء الأقصى» في رام الله أبو عدي: «إننا لن ننسى دماء إخواننا في غزة الذين ذبحتهم حماس ونحن لم نفعل الكثير بهم هنا، لكننا سنثأر من كل حمساوي خائن». وأضاف: «ما جرى في غزة انقلاب على الرئيس أبو مازن، وهذا مخطط إيراني من أجل القضاء على حلم الدولة الفلسطينية وسيطرة الإسلاميين على القطاع وتجزئة للوطن المحتل، ونحن لن نسمح لأحد بأن يضيع حلمنا الذي ضحينا كثيراً من أجله».
أما أحمد الزبيدي، من مدينة جنين، فيرى أن «من واجب عناصر فتح في الضفة الرد على جرائم حماس في غزة والقضاء عليها كما قضت على فتح»، مشيراً إلى أن «من يطالبون بوقف الاقتتال في الضفة الآن لم يطالبوا بوقف الاقتتال في غزة قبل سيطرة حماس عليه». ورأى أن حل حكومة الوحدة الوطنية خطوة من ضمن الخطوات التي يمكن أن تعيد بعض مقومات الاستمرار للشعب الفلسطيني، وخصوصاً في ما يتعلق بالدعم الدولي والاقتصادي والسياسي للقضية الفلسطينية.
لكن الزبيدي قال إن «العودة إلى الحوار ضرورية إذا استجابت حماس لشروط ومطالب الرئيس عباس، ولا شروط لها لأنها هي من أسست وأججت الصراع الداخلي وجعلته وصمة عار على جبين كل الفلسطينيين في الداخل والخارج».
أما الأسير المحرر إبراهيم غنايم (45 عاماً) فقد وقع أرضاً عندما شاهد إعدام القيادي في «فتح» سميح المدهون، رغم أنه ليس «فتحاوياً» ولا «حمساوياً». وقال غنايم: «كنت أشاهد التلفزيون وأتابع بألم أحداث غزة، وحين شاهدت ما فعله مقاتلو «حماس» بالمدهون وقعت على الأرض ونقلوني إلى المستشفى». وأضاف بحسرة: «عيب علينا نحن الفلسطينيين. هل وصلنا إلى هذا المستوى؟».
وفي إشارة إلى عدم رضاهم عما جرى في غزة وعما يجري في الضفة الغربية، رفع مواطنون في الضفة الرايات السوداء على بيوتهم تعبيراً عن الحداد، وطالبوا المسؤولين بسرعة البحث عن حل ومخرج للأوضاع الراهنة والأزمة المقلقة التي تتفاقم يوماً بعد يوم بفعل التصريحات التي وصفوها بالتوتيرية.
وقدّم المحلل السياسي عبد الستار قاسم اقتراحاً لحلّ الأزمة الراهنة يتكون من سبع نقاط. رأى فيه أنه «يجب تشكيل مجلس إداري من الخبراء والمختصين والأكاديميين الفلسطينيين المستقلين لإدارة الحياة المدنية للشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى حكومة ولا رئاسة، ونحن نخدع أنفسنا عندما نحمّل أنفسنا ألقاباً لا تتناسب مع الواقع المؤلم».
وقال قاسم إن المجلس ستكون له «مهمة إدارية فقط، وله صلاحية فرض الأمن المدني ولا علاقة له بالأمن الوطني، وتبقى مهمة الأمن الوطني بيد فصائل المقاومة التي تعمل سراً من دون التدخل إطلاقاً في مجريات الحياة المدنية الفلسطينية». ودعا كل الفصائل الفلسطينية إلى دعم إدارة هذا المجلس إذا طلب الدعم، من دون أن يكون لها حق الاعتراض. ورأى أنه في حال استتباب الأوضاع المدنية الفلسطينية يحضر المجلس انتخابات إدارية جديدة.
وعن كيفية تشكيل المجلس، قال قاسم: «يتم تخويل فصائل غير مشاركة بالقتال الداخلي بتشكيله، واختصاراً للجهد وتقليلاً للصخب، أقترح أن يتولى الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هذه المهمة بموافقة صريحة وعلنية من حماس وفتح».