باريس ــ بسّام الطيارة
سـاركـــوزي حقّـــق ما لـــم يحقّقـــه اليســـار بسياســـة «الصدمـــة البنـــاءة»


يتفق الجميع في فرنسا على أن الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي حقّق ما لم يحقّقه اليسار خلال فترات حكمه العديدة رغم وعوده الكثيرة والآمال التي علّقتها الجمعيّات الإثنية، التي باتت تمثّل المجتمع الفرنسي، على وصول اليسار إلى الحكم في السابق.
وتؤكد حكومة الرئيس فرنسوا فييون الجديدة الثانية، أن ساركوزي ذهب بعيداً بسياسة «الصدمة البناءة» المبنية على الانفتاح والقطيعة. فهو أدخل المزيد من الوزراء ذوي الأصول الاشتراكية ومزيداً من الوزراء ذوي الأصول المهاجرة الملونة ومزيداً من النساء بنسبة لم تعرفها حكومة فرنسية سابقة.
إذاً نجح ساركوزي في تقريب مختلف مكوّنات الشعب الفرنسي، حتى لو كان الأمر مجرد حسابات سياسية. كما باتت الحكومة ملوّنة ومطعّمة بألوان «الشوكولاته والبن» نسبة إلى الحضور العربي (رشيدة داتي وفاضلة عمارة) والأفريقي (راما ياد) تعويضاً عن غياب هذه الوجوه عن البرلمان.
كما كرّر ساركوزي عملية «اجتذاب يساريين»، ونجح أيضاً، فضمت حكومته الجديدة أربعة وزراء أتوا من الحزب الاشتراكي (برنار كوشنير وجان بيار جويية وإريك بيسون وجان ماري بوكل)، ويمكن إضافة فاضلة عمار التي كانت محسوبة دائماً على الحزب الاشتراكي ومثّلته لمدة قصيرة كعضو في مجلس بلدي. وكافأ الوسط الذي ابتعد عن فرانسوا بايرو وأعطاه ثلاثة مقاعد.
كما أن الحكومة الجديدة تسجل سابقة نوعية أخرى بعدد الوزارات التي سلّمت للنساء إذ بلغ عددهن إحدى عشرة وزيرة وهو ما لم تشهده فرنسا في السابق.
إذاً كما يقول البعض «واجهة فرنسا» أصبحت جميلة، لكن ماذا في «خلفية» هذه الواجهة. يغيب عن بال البعض أنه رغم الانفتاح الرنّان فإن 21 وزيراً من أصل ثلاثين هم من حزب الرئيس ومن أقرب المقربين إلى ساركوزي. لكن لم يغب عن المراقبين غياب الشيراكيين من الحكومة الثانية إلا إذا أمكن اعتبار وزيرة الداخلية ميشال أليو ماري شيراكية، وتطعيمها بعناصر يكنّون ضغائن لشيراك وأبرزهم وزير الزراعة الجديد ميشال بارنييه، الذي أخرجه شيراك من الحكومة عام ٢٠٠٥ وحمّله مسؤولية إخفاق الاستفتاء على دستور أوروبي جديد، فانتقل إلى الضفة الساركوزية. وهو الآن في وزارة الزراعة للعمل على تنظيف أوساط «الذهب الأخضر»، وهي أوساط المزارعين وصناعاتها التحويلية التي تعدّ تاريخياً معاقل شيراكية.
إضافةً إلى تصفية الحسابات مع الشيراكيين ومنافسيه في الحزب اليميني، فإن ساركوزي يتابع عبر لمسات خفيفة «قراءة مستقبل المجتمع الفرنسي» بواسطة نظّارات محافظين جُدد منفتحين. يبرز هذا في تكليف لوك شاتيل وزارة الاستهلاك والسياحة. وقد برز هذا النائب الشاب منذ سنوات من خلال حملاته من أجل تطوير القانون التجاري والجزائي الفرنسي ليسمح برفع «قضايا جماعية» مثلما هو معمول به في الولايات المتحدة. وهو نظام يسمح لجمعيات برفع دعاوى قضائية باسم من ترى أنّهم المتضررون في قضايا شائكة ومتشابكة تدوم سنوات طويلة مثل قضايا التدخين أو التلوث وما شابه من قضايا «أبرزت شهرتها أفلام هوليوودية».
ويؤسس القبول بمبدأ «الدعاوى الجماعية» لاستقالة الدولة من دورها الضابط والمؤطّر للعمل العام، وهو ما يذهب إلى ملاقاة طروحات الليبرالية الجديدة التي ترى في «العقد بين الأطراف» سيد الأحكام يحل محل «الدولة المسنّة لقوانين» معرقلة للأنشطة الاقتصادية منتجة الثروات. وهي طروحات تبنّاها ساركوزي وجاهر بها خلال حملته الانتخابية، حتى وإن هو لم يدخل في تفاصيل انعكاساتها على المجتمع الفرنسي على المدى المتوسط والطويل.
حين أطلق ساركوزي شعاره «اعمل أكثر تربح أكثر» لم يخفِ انبهاره بالمجتمع الأميركي وبما يرى أن نظامه الليبرالي يحققه من ثروة رفاهية لـ «الذين يعملون». وقد قصد هذا بالقطيعة إذ إنه يعاكس فلسفة الاقتصاد الفرنسي الذي يجمع بين نظام السوق الليبرالية ونظام توزيع الثروات عبر تدخل الدولة لتنظيم الدورة الاقتصادية وسن القوانين المالية وتأطير الضمانات الاجتماعية ضمن نظام موحّد.
وقد خطا ساركوزي أولى خطواته عبر البدء بتلوين حكومته أيضاً على الطريقة الأميركية الهوليوودية، إذ من غير الممكن تصوّر أي حكومة أميركية أو جهاز حكومي أو حتى فيلم أميركي لا يضم شخصيات من الأقليات الإثنية وهو ما يسمّى «التهذيب السياسي»، ومن هذه الناحية فإن حكومة فييون الثاني مهذبة جداً.