هل زالت ذيول الماكارثية من العقلية السياسية الأميركية؟ هل أصبح مسموحاً ظهور يسار أميركي جديد بعدما كان مجرّد اتهام خصم سياسي بالانتماء إلى «اليسار»، كافياً لتجريده من كل حقوقه، وسبباً كافياً لتعريضه للقمع؟ أسئلة وجيهة بدأ يطرحها النسيج السياسي الأميركي عشيّة إطلاق الحملات الانتخابية الرئاسية التي ستجرى في تشرين الثاني 2008، وخصوصاً في ظلّ ارتفاع «أسهم» الديموقراطيين على حساب تدهور شعبية المحافظين الغارقين في الوحل العراقي.وتشهد هذه الأيام حركة نشطة للجمعيات الأميركية اليسارية، التي التزمت قيادة حملات الديموقراطيين أملاً بإطاحة الجمهوريين المحافظين. وفي هذا السياق، قال مسؤول «تحالف اليسار الأميركيين من أجل التغيير»، براد وودهاوس، إن «عهد المحافظين قد ولّى وانتهى من دون رجعة، كذلك الزمن الذي كان فيه أبرز مستشاري الرئيس الأميركي جورج بوش كارل روف يستطيع الاعتماد على غالبية محافظة دائمة من دون أن يواجه إمكان تكذيبه».
وقال مدير «منظّمة الحملة من أجل مستقبل أميركا»، روبرت بوروسايغ، خلال مؤتمر في واشنطن استغرق ثلاثة أيام وجمع ثلاثة آلاف ناشط يساري، إن «فكرة كارل روف قيام غالبية يمينية أبدية انهارت. بما أنّ الأميركيين يتحولون إلى اليسار بأعداد كبيرة».
ولا تغيب البرامج الاجتماعية عن طرح اليسار الأميركي، إذ يرى أن الاميركيين أصبحوا ينظرون بجدية إلى اقتراحاتهم بشأن مشروع تغطية صحيّة للجميع والإنفاق العسكري وقطاعات الاقتصاد والتجارة.
ورأت ميلودي برانز، المسؤولة في المركز التقدمي الأميركي أن «المشروع المحافظ الكبير فشل». وقالت إن الأميركيين خاب أملهم من سنوات هيمنة الجمهوريين على الكونغرس خلال ولايتَي بوش، وهي حروب تبدو بلا نهاية وبسبب الفوضى الناجمة عن إعصار كاترينا عندما تبيّن أن الدولة الفدرالية غير قادرة على إغاثة الأكثر عوزاً.
لكن الاختبار الحقيقي الذي سيواجه اليسار، سيكون الانتخابات المقبلة، فهل سيصغي إليه الرئيس إذا تم انتخاب مرشح ديموقراطي؟
بدأ اليساريون منذ فترة، يعربون عن خيبة أملهم من الديموقراطيين الذين ساعدوهم على الفوز بالغالبية في الكونغرس، لأنّ هؤلاء لم يتمكنوا من وقف الحرب في العراق.
وفي هذا السياق، أكّد السيناتور الديموقراطي جوزف بيدن، أحد المتطلّعين إلى السباق الرئاسي، أن ناشطي اليسار بدأ «ينتابهم الغضب»، محذّراً من استحالة فوز أي مرشّح ديموقراطي من دون تعبئة ناخبي اليسار.
من جهتها، وبعدما قوبلت المرشّحة الأوفر حظّاً عن الحزب الديموقراطي، هيلاري كلينتون، بالاستياء سابقاً لأنها رفضت المطالبة بسحب الجنود الأميركيين من العراق. لقيت أمس ترحيباً بعدما شنّت حرباً كلامية عنيفة على بوش، وهي التي سبق لها أن رفضت التصويت على ميزانية الحرب في الكونغرس، ووعدت بإعادة الجنود إلى البلاد، إذا ما تمّ انتخابها.
وفي خطاب انتخابي حاشد دام 30 دقيقة، اتّهمت كلينتون بوش بخرق كل قواعد الدستور، ووعدت بأنها «ستُدخل توجهات تقدمية على سياسة بلادها إذا تمّ انتخابها». وأضافت بأن بوش «فعل كل ما حذّرَنا من فعله الآباء المؤسسون ودستورنا الأميركي». واتّهمت الرئيس بوضع «الأيديولوجيا كأولوية بدل العلم في خياراته، والسياسة بدل حاجات عائلاتنا. من هنا الضرورة القصوى لوصول تقدّميين إلى البيت الأبيض».
(رويترز، أ ب، أ ف ب)