القاهرة ــ وائل عبد الفتاح
سعــــد الديــــن إبراهيــــم متّهــــم بجلــــب أمــــوال لهــــدم النظــــام وحرمانــــه من أمــــوال المعونــــة


يبدو الدكتور سعد الدين ابراهيم الآن في صورة جديدة تختلف عن صوره القديمة كلها: عالم الاجتماع الشهير وداعية المجتمع المدني أو الجاسوس والعميل، مثلما تتهمه الحكومة المصرية.
إنه هذه المرة «صانع الرؤساء»، وهو أقرب توصيف لمهمته في تسويق بدائل للرئيس المصري حسني مبارك، التي تعتقد أجهزة النظام انه يقوم بها في كواليس المؤسسات المعنية في الولايات المتحدةوهذا هو سر الحملة على إبراهيم في صحافة النظام وخاصة بعد حضوره مؤتمر براغ بوصفه منشقاً عن النظام، ومقابلته للرئيس بوش الذى سأله: هل تعتقد أن مبارك قادر على التغيير؟ حيث اجاب: «قادر إذا أراد»، فروى له بوش أن مبارك قال له: «إنه الآن غير قادر على التغيير وهو يترك الأمور للأجيال المقبلة».
الحملة مستمرة قبل مؤتمر براغ تقريباً منذ مؤتمر الدوحة للديموقراطية العربية، الذي كان الدكتور سعد الدين ابراهيم هو منسقه الاول. وتصورت اجهزة النظام انه هناك بدأ رحلة تسويق اسم شخصية قضائية شهيرة لتكون خليفة مبارك.
هذا التصور دفع النظام وأجهزته إلى ترتيب الحملة على سعد الدين ابراهيم بالإشارة إلى علاقته بالشيخة موزة زوجة امير قطر وراعية المؤتمر والمؤسسة التي اعلن عن إنشائها في التوصيات.
ومن الدوحة إلى براغ كان لحديث المال دور كبير في النظرة إلى الدور الغامض الذى يؤديه سعد الدين ابراهيم من وجهة نظر النظام. فى الدوحة اعلنت الشيخة موزة رعايتها لـ «المؤسسة العربية للديموقراطية» بدعم قطري أولي قدره 10 ملايين دولار.
وتزامن مؤتمر براغ مع قرار لجنة الكونغرس خفض 200 مليون دولار من المعونات الاميركية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
التهمة هنا مزدوجة: جلب أموال تمويل هدم النظام، وحرمانه من أموال المعونة.
تحولت التهمة إلى بلاغ أمام النائب العام بـ «الخيانة والتآمر على الوطن، والسعي لدى دولة أجنبية للإضرار بمصالح السياسة والاقتصاد، وذلك نظير مبالغ مالية تصل إلى ملايين الدولارات، حصل عليها من الولايات المتحدة الأميركية، ومن الشيخة موزة زوجة أمير قطر، وبث أخبار وبيانات وشائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية في مصر»البلاغ حدد المبالغ التي حصل عليها سعد الدين ابراهيم من السفارة الاميركية بـ ١٢ مليون دولار إلى جانب ١٢ مليون دولار أخرى من الشيخة موزة.
صاحب البلاغ هو مرتضى منصور، الذي يقضي عقوبة الحبس بسبب محاولته الاعتداء على قاض حكم عليه في قضية رئاسة ناد رياضي. وهناك دعوى قضائية اخرى من اللواء نبيل لوقا تتهم سعد الدين ابراهيم بالخيانة وتطالب بمحاكمته كجاسوس تسبب في حرمان مصر من اموال المعونة.
لوقا تقدّم بالدعوى قبل ايام فقط من تعيينات مجلس الشورى، ولا تزال في مكتب وزير العدل تنتظر توقيتاً مناسباً لضرب سعد الدين ابراهيم وفتح ملفاته من جديد مثلما حدث قبل 7 سنوات حينما فوجئ في حزيران 2000 بأنه متهم بالتجسس هو الذي كان مستشاراً للرئيس ومدرساً لزوجته وابنيه علاء وجمال في الجامعة الاميركية.
لم يُعرف وقتها سر الغضب على الرجل المقرّب من قصر الرئاسة، وخصوصاً انه كان على طائرة الرئيس خلال زيارته إلى اميركا سنة 1999 عندما كانت ازمة الفتنة الطائفية فى الكشح لا تزال ساخنة. التقارير توقعت حينها الهجوم على موقف السلطة في مصر من الفتنة وتحدثت عن تظاهرات لأقباط المهجر. والدكتور سعد وجه مناسب لتهدئة الغاضبين على الرئيس، فهو الذي فتح الملف المسكوت عنه «الأقليات في مصر والعالم العربي» ورأى أن الأقباط أقلية لهم مشاكلهم التي يجب حلها ليتحقق الاستقرار. ملف لم يقدر احد على الاقتراب منه، ولغم انفجر في وجهه. لكن النظام استفاد منه عندما واجهته أزمة الفتنة في الكشح. وقام سعد بالمهمة.
وشعر بالقوة والثقة الزائدة بالنفس، فهو عالم اجتماع مشهود له بالكفاءة مثلما قال خصومه ومريدوه، ومصري من الرواد في صناعة «المجتمع المدني» الهارب من قبضة السلطة، وأميركي له علاقات عبر زوجته بشخصيات يمكن كل منهم أن يقدمه إلى مؤسسة مهمة.
لكن عملية غسل وجه مبارك في أميركا سبقها هجوم على مشروع التوريث فى بواكيره الأولى، وفي مقال ابتكر اسم «الجمهوركية» لوصف فكرة توريث الحكم الجمهوري.
لكن السبب الحقيقي للغضب ظل سراً إلى فترة طويلة حتى كشف أخيراً انه كان بسبب إحراج قرينة الرئيس في اجتماع للأمم المتحدة ناقش تقرير التنمية البشرية سنة 2000. وتلقت السيدة الاولى سخرية المشاركين وغضبهم إذ اكتشفوا أن الأرقام والمعدلات التى تقولها وهمية مقارنة بالتقرير الذى أعده مصادفة سعد الدين ابراهيم وأرسله حسب قوله إلى اجهزة الأمن والمخابرات قبل ارساله إلى الامم المتحدة، لكن الضابط تكاسل.
وقبل عودة زوجة الرئيس من جنيف، طلبت الأجهزة الامنية من إبراهيم مغادرة مصر. وعندما رفض كانت 3 حملات أمنية تفتش بيته ومكاتبه.
من هنا بدأت صورة سعد الدين ابراهيم «الشهيد» و«الضحية» و«البطل السياسي»، التي قد تربك المتابعين لنشاطه الترويجي لسياسات متناقضة او لمحاولته مد الخيوط مع جماعات الاصولية الاسلامية الساعية إلى الحكم.
هذه الخيوط المزدوجة غالباً ما تثير الجدل حول أدواره في حركة الإصلاح السياسي وتنقلاته بين تأييد الدور الأميركي في تغيير النظام السياسي في مصر وبين دعم الجسور بين اميركا والإخوان مثلاً، أو بين اميركا والأقباط. وهو قال محتجاً الاسبوع الماضي: «أعجب من أسرة أيمن نور التي تطلب مني التدخل لدى المؤسسات الاميركية ثم عندما يحدث يعلنون رفضهم لتدخل أميركا. وكذلك الاقباط.. لا اعرف ماذا يريدون».
والسؤال هنا: «ما هو سر قوة سعد الدين ابراهيم في التسويق؟ هل هي فقط قوة الضربات الامنية من نظام مبارك؟».
وهل سيكون هو وسيط الرئيس المقبل لمصر.. أم سيكون الجسر بينه وبين تحويله ضحية جديدة لنظام لا يحتمل البدائل؟