strong>باريس ـــ بسّام الطيارة
ما إن أعلنت سيغولين رويال عن رغبتها بالترشح عن الحزب الاشتراكي، حتى سارع أصدقاؤها وخصومها على السواء إلى الإشارة إلى «جهلها بالقضايا الدولية» وقلّة خبرتها في الديبلوماسية. ويقال إن أحد السياسيين سأل اشتراكياً في الحزب عن نقطة الضعف هذه، فأجابه: «لا بأس، تظل أفضل من جورج بوش»

لم تهمل سيغولين رويال الشق الديبلوماسي في حملتها الانتخابية، فقامت بجولات عديدة في العالم، قادتها من الصين إلى التشيلي مروراً بلبنان وفلسطين وإسرائيل، بالإضافة إلى عدد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا. ويمكن القول إن طروحات رويال في السياسة الخارجية مستوحاة بشكل مباشر من سياسة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران بشكل عام.
ولا يعطي برنامج رويال الموّزع فكرة دقيقة حول سياسة فرنسا الخارجية التي تقترحها في حال وصولها إلى الإليزيه، بل يكتفي بوضع خطوط عريضة لها. لكن يمكن استقصاء ملامحها من خلال التصريحات الصحافية المقتضبة التي أعطتها رويال.
السياسة الأوروبية
صرّحت رويال مراراً بأنها ستعمد، في حال انتخابها، إلى المطالبة بإعادة دراسة الدستور قبل طرحه على استفتاء أمام الشعب الفرنسي. وهي ليست ضد توسيع الاتحاد شرقاً، مع أنها تطالب «باستراحة» قبل قبول أوكرانيا وجورجيا، وهي ليست من حيث المبدأ ضد انضمام تركيا، إلا أنها تطالبها بالسعي إلى الوصول إلى المعايير المطلوبة.
وتعارض رويال توسيع حلف شمال الأطلسي ليضم دولاً من أوروبا الشرقية من دون طمأنة روسيا. أما بالنسبة للمشاريع الأميركية بنشر شبكات مضادة للصواريخ على حدود روسيا، فإن رويال صرحت بأن «هذه المسألة تطرح الكثير من الأسئلة وأن فعاليتها موضع شك». وتشدّد على التمسك بقوة الردع الفرنسية النووية التي تحمي فرنسا وحريتها. وأعلنت أنها ستضمن استمرارية سياسة الردع التي وضع أسسها الجنرال شارل ديغول وسار عليها معظم رؤساء فرنسا.
الشرق الأوسط
من الطبيعي أن يكون الصراع العربي الإسرائيلي في مقدّم اهتمامات المرشحين للرئاسة لما ينطوي عليه من انعكاسات على السياسة الداخلية الفرنسية في ظل وجود عدد لا يستهان به من الجاليات من أصول عربية وإسلامية. إلا أن رويال لم تبتعد قيد أنملة عما بات يسمى «سياسة فرنسا العربية». فهي تعتبر أن لباريس دوراً مهماً تؤديه في منطقة الشرق الأوسط بحكم العلاقات التاريخية التي تربطها بالدول العربية من جهة وبإسرائيل من جهة ثانية. وهي تقول إن «لإسرائيل الحق في العيش بسلام مع جيرانها وأن يكون أمنها مضموناً بالكامل». إلا أنها تستطرد، على لسان أحد الناطقين باسمها في تصريح لصحيفة «جيروزالم بوست»، «إن أمن إسرائيل يكون مضموناً إذا كان للفلسطينيين دولة مستقلة وإن ولادة هذه الدولة تفتح الطريق أمام استقرار دائم في المنطقة».
أما بالنسبة للمساعدات الأوروبية للسلطة الفلسطينية، فإن رويال تحتذي السياسة الرسمية الفرنسية التي تربط عودتها بإطلاق الجندي الإسرائيلي حامل الجنسية الفرنسية جلعاد شاليط، وتجعل من هذا الأمر «أولوية». وإن هي أشارت إلى أن تجميد المساعدات «يساعد على تقوية العناصر المتطرّفة».
لبنان
في حال استلام رويال مقاليد الحكم، فإن الملف اللبناني هو أول الملفات الساخنة التي عليها معالجته. وقد صرّحت مراراً بأن على فرنسا أن تبقي دعمها لبنان بحكم العلاقات التاريخية التي تربط البلدين وهي تدعم بقاء قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) «من أجل تطبيق القرارات الدولية». وترى أن «حزب الله هو بشكل ما مكوّن قوي من مكونات الحياة السياسية اللبنانية، وبالتالي لا يمكننا تجاهله». إلا أنها ترفض أن يهدد حزب الله أمن إسرائيل.
ومن المتوقع، في حال نجاح رويال، أن تعود وزارة الخارجية لأداء دورها في الملف اللبناني بعد استبعادها لمصلحة فريق الإليزيه في عهد جاك شيراك.
إيران
إن موقف رويال بالنسبة للملف النووي الإيراني كان منذ انطلاق حملتها الأكثر حدة بين المرشحين؛ فهي كانت أول من طالب بمنع إيران «من الحصول على تقنية التخصيب حتى للنشاطات المدنية»، مبرّرة ذلك بأن الحصول على تقنية التخصيب يتيح لإيران «تجاوز الخط الأحمر» والانطلاق في تصنيع سلاح نووي. ويرى بعض المراقبين في هذا الموقف تأثيراً لجماعات ضغط الحفاظ على البيئة، إذ إن رويال تطالب بوقف بناء مفاعلات نووية في فرنسا أيضاً.
في هذا الوقت، لم تحسم التعليقات أمس نتيجة مناظرة رويال ومرشح اليمين نيكولا ساركوزي، وإن اتفقت أكثرية الوسائل الإعلامية على القول إن رويال ربحت بالنقاط وإن ساركوزي لم يخسر.
وشدّد خبراء التواصل والإعلام الذين لجأت إليهم مختلف الصحف وقنوات التلفزيون على أن رويال كانت الأقوى من ناحية عرض مبادئها العامة ونظرتها للحياة السياسية وللمسائل الاجتماعية، وخصوصاً حقوق الطفل والمرأة والضمان الصحي والتربية، بينما كان ساركوزي أكثر دقّة في عرض الملفات الاقتصادية المالية.
إلا أن بعض الخبراء عاب على مرشح اليمين «ظهوره وكأنه تقني يسرد أرقاماً ويعرض مشاريع»، ولم يتردد أحدهم في القول إنه «ظهر في موقع رئيس وزراء لا كطامح لرئاسة الجمهورية». بينما ظلت رويال تعالج المواضيع «من فوق من دون الدخول في تفاصيلها»، ما أعطاها «بعداً رئاسياً» أكثر من منافسها.
والغريب أن بعض المتابعين رأى في غياب الانفعالات عن ساركوزي وتماسك أعصابه نقطة ضغف ساهمت في إبرازه وكأنه يخشى الخسارة لأن الاستطلاعات تشير إلى أنه الرابح.
وفي المقابل، فإن الهجومات المتكرّرة لرويال شدّدت من «صورتها القتالية» وأبرزت قدرتها على الصراع الطويل والتصدّي لجدلية بهدوء حيناً ونبرة عالياً حيناً آخر.