«من غير المرجح ان تُرفع العقوبات (الاقتصادية على روسيا) لانها قضية سياسية» تندرج ضمن استراتيجية (أطلسية) ترمي إلى «احتواء تنمية البلاد»، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم أمس في برنامج تلفزيوني سنوي مخصص للرد على اسئلة المواطنين، التي تركز معظمها على الوضع الاقتصادي. غير أن بوتين توقع عودة الاقتصاد الروسي للنمو في غضون أقل من عامين، داعياً الى تحويل التحدي الأطلسي لروسيا إلى فرصة، باستخدام العقوبات لبلوغ حدود جديدة من التنمية (المستقلة)... وتصحيح سياسة روسيا الاقتصادية».
على المدى القصير، رأى بوتين أن «الهدف اجتياز هذه الفترة بأقل الخسائر» وتجاوز الصعوبات التي يواجهها الناس بسبب التضخم، مؤكداً ان الاقتصاد الروسي «تجاوز ذروة» التحديات التي واجهها بسبب العقوبات الغربية المرتبطة بالحرب الأوكرانية، والمضاربة على العملة الروسية، وتدهور أسعار النفط والغاز التي تمثل المصدر الاول لعائدات البلاد. «يرى الخبراء أننا تجاوزنا ذروة المشاكل في ما يتعلق بتسديد الاعتمادات الخارجية للمصارف والشركات»، قال بوتين، مضيفاً «العملة الوطنية قامت بعملية تصحيح ولم تحدث كارثة» كما كان يتوقع أو يتمنى البعض.
رداً على سؤال عن الحرب الأوكرانية، جدد بوتين نفيه مزاعم كييف والغربيين بوجود قوات روسية في أوكرانيا، وقال «هدفنا ليس اعادة بناء امبراطورية»؛ مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يجد «أي فرق بين الروس والاوكرانيين... وأنهم اساسا أمة واحدة». واتهم بوتين سلطات كييف بـ»قطع الأواصر مع (منطقة) دونباس بأيديها» بإقصاء سكانها من النظام الاقتصادي للبلاد. كما نفى بوتين صحة التقارير الصحافية التي ذكرت أن نظيره الأوكراني بيترو بوروشينكو طلب من روسيا ضم منطقة دونباس التي تشهد حركة انفصالية موالية لروسيا منذ العام الماضي.
وعن قرار فرنسا الامتناع عن تسليم سفينتَي الحرب «ميسترال» إلى روسيا، بذريعة الحرب الاوكرانية (كان مقرراً تسليم أولى السفينتَين العام الماضي)، قال بوتين إن «رفض تسليم السفن بموجب العقد هو إشارة سيئة بالتأكيد؛ لكن بالنسبة لدعم قدراتنا الدفاعية، اقول لكم بصراحة انه بلا اهمية». وبحسب بوتين، فالسبب الرئيسي الذي دفع موسكو الى توقيع عقد الصفقة البالغة قيمتها 1.2 مليار يورو في 2011 كان إظهار النيات الحسنة وخلق الوظائف للفرنسيين في حوض سان نازار. «أتوقع ان تعيد فرنسا الاموال. نحن لا نخطط للمطالبة بدفع أي غرامات مالية باهظة، ولكن يجب إعادة جميع التكاليف»، قال بوتين، مشيراً إلى أن الواقعة «تظهر أن إمكانية الاعتماد على شركائنا أمر مشكوك فيه، وسناخذ ذلك في الاعتبار في أي تعاون مستقبلي».
فرض النموذج السوفياتي للتنمية على العديد من دول اوروبا الشرقية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 باستخدام القوة «لم يكن امرا جيدا»، بحسب بوتين الذي رأى أن «الاميركيين يتصرفون بطريقة مماثلة من خلال محاولة فرض نموذجهم على العالم... وهم كذلك سيفشلون». وتعمل روسيا منذ سنوات على نسج علاقات دولية على نمط جديد، وبناء شراكات مع دول تسعى للخروج من فخ التخلف والتبعية للاقتصادات الغربية المهيمنة (ومن هنا جاء تحالف الـ»بريكس» بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، كمثال بارز). وفي سياق النمط الجديد هذا، دعا بوتين زعيمَي روسيا البيضاء وكازاخستان يوم أمس إلى إنشاء اتحاد نقدي مع بلاده؛ وتأتي دعوة بوتين هذه بعد توقيعه اتفاق شراكة اقتصادية مع جمهورية أوسيتيا الانفصالية الجنوبية الأربعاء الماضي. وجاءت دعوة بوتين أثناء لقائه نظيره في روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو ورئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف في العاصمة الكازاخية أستانة لمناقشة المشاكل الاقتصادية التي تواجه الدول الثلاث. وتنتمي كل من روسيا وكازاخستان وروسيا البيضاء إلى الاتحاد الاقتصادي «الأوراسي»، وهو تكتل سياسي واقتصادي يضم جمهوريات سوفياتية سابقة.
وفي السياق نفسه، وقّعت روسيا يوم الأربعاء الماضي معاهدة تحالف مع أوسيتيا الجنوبية، الجمهورية التي انفصلت عن جورجيا، والتي اعترفت موسكو باستقلالها عام 2008، في اتفاقية نددت بها تبليسي والدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. وبحسب الكرملين، وقّع الرئيس الروسي والزعيم الأوسيتي ليونيد تيبيلوف اتفاقية «تحالف وتكامل» بين روسيا والجمهورية الانفصالية التي تنشر فيها موسكو منذ الحرب الروسية-الجورجية عام 2008 آلاف الجنود. تتضمن الاتفاقية شقا اقتصاديا وآخر اجتماعيا، فضلاً عن التعاون العسكري؛ وتنص على أن تمنح روسيا عام 2016 مبلغ مليار روبل (15 مليون يورو) إلى الجمهورية التي تبلغ مساحتها ثلاثة آلاف كيلومتر مربع، والتي لا يزيد عدد سكانها على خمسين ألف نسمة، ما حدا ببعض المسؤولين الجورجيين لاعتبارها «شبه ضم» روسي للبلاد!

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)