strong>باريس ـــ بسّام الطيارة
السياسة الخارجية الفرنسية في عهد نيكولا ساركوزي، ستختلف
عن النهج الشيراكي، رغم الخلفية الحزبية الواحدة، ولا سيما لما يعرف عن مرشح اليمين من قرب لدائرة القرار الأميركي

صفتان التصقتا بمرشّح اليمين نيكولا ساركوزي: في القضايا الداخلية هو «أمنوي» و«رجل أميركا». الأولى تشير إلى تشدده في قضايا الأمن والهجرة، بينما الثانية ترتكز على مواقفه تجاه القضايا الدولية وربطها بفلسفة السياسة عامة والقريبة جداً من فلسفة المحافظين الجدد، وفي مقدمهم جورج بوش.
مهما فعل ساركوزي فهو لن يستطيع محو صورته إلى جانب الرئيس الأميركي منتقداً سياسة فرنسا عام ٢٠٠٣. ويعرف الجميع أن «التغيرات» التي طرأت على خطابه في الآونة الأخيرة ووصف العلاقات الأميركية ـــ الفرنسية بأنها علاقة صداقة لا تمنع من المصارحة، ما هي إلا لاستيعاب قلق الفرنسيين الذين لا يحبذون الانضواء تحت جناح واشنطن أياً تكن الظروف.
تصفه بعض الصحف بأنه «نيو ديغولي»، لكن يمكن القول إنه طوى صفحة الديغولية، وابتعد عنها مثلما سيبتعد عن مسلك شيراك السياسي والدبلوماسي.
عصر جديد من السياسة الفرنسية قد يفتتحه ساركوزي يمكن استشراف توجهاته الكبرى من تصريحاته التي رددها منذ أكثر من سنتين.
السياسة الأوروبية
تمثّل المسائل الأوروبية إحدى عقد برنامج المرشح اليميني، رغم عدم وجود فوارق كثيرة بين طروحاته وطروحات المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال. إلا أن «مشكلته الأوروبية» ستكون مع شرائح أقصى اليمين التي صوتت له؛ فاليمين المتطرف لا يخفي معارضته للدستور الأوروبي ولسياسة «تذويب السيادة الفرنسية في البيروقراطية الأوروبية». ويفسر هذا غياب أوروبا عن واجهة تصريحات ساركوزي، وخصوصاً بعد الجهد الجهيد الذي بذله لجذب هذا اليمين، والذي لم يكن له أمل بالوصول إلى الإليزيه من دون أصواته.
وفي ما يتعلق بالدستور الأوروبي المعطّل بسبب رفض الشعب الفرنسي له في استفتاء، ألمح ساركوزي إلى إمكان «الاكتفاء بالتصويت عليه في البرلمان» عوضاً عن استفتاء غير مضمون النتائج. وهو يحبّذ توسيع الاتحاد الأوروبي شرقاً ليضم دولاً شيوعية سابقة، لكنه أكد مراراً، وبقوة، معارضته انضمام تركيا «حتى لا تصبح سوريا والعراق لهما حدود مشتركة مع أوروبا».
الولايات المتحدة
رغم عدم معارضته توسيع حلف شمالي الأطلسي شرقاً، فهو قد غير موقفه في ما يتعلق بالدرع الصاروخية التي تنوي الولايات المتحدة إنشاءها في تشيكيا وبولونيا. وهو بات يدعو إلى التشاور مع بقية الدول الأوروبية واتخاذ موقف متناسق معها. إلا أنه لا يأتي على ذكر أي تنسيق مع روسيا المعارضة للدرع.
ويدعو ساركوزي إلى المحافظة على قوة الردع النووية الفرنسية، لكنه بخلاف منافسته رويال، يؤيّد زيادة الإنفاق على الأبحاث النووية وزيادة نسبة الاعتماد على النووي لإنتاج الطاقة.
الشرق الأوسط
لا يعترض ساركوزي أبداً عندما يقال له أنت «مقرب من إسرائيل» فعلاقاته الوثيقة مع الدولة العبرية معروفة، وتؤيّد تل أبيب بقوة وصوله إلى الإليزيه. ولم تتردد اللجان التي تعمل لمصلحته في إسرائيل في إصدار طابع بريدي يحمل صورته. وهو، وإن كان يشدد في كل حديث له على ضرورة حماية إسرائيل، فهو بالنسبة للقضية الفلسطينية ليس بعيداً عن الموقف الرسمي الفرنسي الذي يطلب للفلسطينين دولة قابلة للعيش.
ويرى المراقبون أن مواقفه لمصلحة إسرائيل تعبّر عن مواقف عاطفية أكثر من كونها مواقف سياسية، إذ إن الدبلوماسية الفرنسية باتت مرتبطة بشدة بالتوجهات الأوروبية، مع إشارة البعض إلى أن هذا «الانجراف العاطفي» يمكن أن يؤثر على توازن المواقف داخل الاتحاد الأوروبي لمصلحة المتشددين الذين يوافقون واشنطن في تشددها، بعدما كانت فرنسا، إلى جانب إيطاليا وإسبانيا، تدافع عن مواقف متوازنة.
وقد أعلن مراراً دعمه للمبادرة السعودية لحل الصراع العربي ـــ الإسرائيلي. وقال مراراً أيضاً، إن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا ينبغي أن يكون على حساب الحقوق الفلسطينية، في إشارة إلى الجدار الذي تبنيه الدولة العبرية والذي «يرهن مصير المفاوضات المستقبلية»، وهو موقف فرنسا الرسمي منذ مدة طويلة.
لبنان
أما في ما يتعلق بالمسألة اللبنانية، فإن ساركوزي قد خفف كثيراً من مواقفه المتشددة تجاه حزب الله؛ فبعدما نعت هذا الحزب بأنه «تنظيم إرهابي»، عاد وأشار إلى «ضرورة أن يأخذ الحزب دوره كقوة سياسية في لبنان» مع مطالبته بنزع سلاحه والانخراط في العملية السياسية. كما أنه يطالب بعودة الفرقاء إلى الحوار الداخلي للخروج من المأزق السياسي. وقد لوحظ غياب تصريحاته في ما يتعلق بالمحكمة الدولية، وإن طالب بضرورة إنشائها لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري.
ومن المؤكد أن علاقته بالملف اللبناني، على رغم الوعود التي يقال إنه أعطاها لشيراك، لن تكون مماثلة لعلاقة الرئيس الخارج من الحكم.
إيران
يقول ساركوزي في ما يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية، إنه إذا رفضت إيران الانصياع للقرارات الدولية، يجب الذهاب أبعد في «فرض عقوبات لإفهام النظام الإيراني بأننا لن نقبل بوضعنا أمام الأمر الواقع الذي يحاول فرضه بجعل إيران دولة نووية». ويدعو إلى البحث عن إجماع في مجلس الأمن من أجل تشديد العقوبات، من دون أن يعارض صراحة إجراءات خارج إطار الأمم المتحدة. وهو الذي ذهب ليوافق الرئيس بوش على ما قام به بوش في العراق.