نيويورك ـــ نزار عبود
لا يخفي أحد الدبلوماسيين الفرنسيين في الأمم المتحدة ابتسامة السخرية عند ذكر اسم الرئيس الفرنسي جاك شيراك وحماسته للمحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ويبذل جهداً كبيراً لعدم البوح بمكنوناته، ثم يستدرك أنه لم يبق من عمر رئاسته ما يجعله يتحفظ إلى هذا الحد، فيقول هامساً إن «الفضائح تتجاوز الهدايا غير المصرّح بها التي تلقّاها. العلاقة شخصية للغاية، بل إنها تتجاوز الأمور الشخصية إلى تبادل المنافع، وبعضها تفوح منه روائح لا علاقة لها بالعطور الباريسيةشيراك تلقّى منافع مادية مباشرة على شكل هدايا وتمويل في حملته الانتخابية. وهناك حديث بأنه استعان بالحريري لإخفاء أملاك لا يريد التصريح بها، كي لا يخضع لحساب «من أين لك هذا». بينما كان الرئيس الراحل يعتمد على شيراك في أمور كثيرة تجارية وسياسية، أكثرها كان لتسهيل أعمال، أو لغايات نبيلة، مثل منعه اعتبار المقاومة منظمة إرهابية، رغم الضغوط الأميركية ـــ البريطانية الشديدة عليه.
ومن المعلوم أن شيراك سينتقل «مؤقتاً» إلى شقة لأيمن الحريري. إلا أن الفرنسيين يشكّون بأن هذه الشقة مجرد «إعارة» للرئيس، الذي يبدو أفقر بكثير في دفاتره المصرح بها من رغد الحياة والبذخ الذي اشتهر به.
الحريري لا يستطيع أن يهدي الشقة له رسمياً، لأنه سيدفع ضرائب على الهدية وفقاً لقانون الضرائب الفرنسي. والغريب أن شيراك الفقير نسبياً كان ينفق بسخاء في وقت لا يملك في حساباته وحساب زوجته سوى عشرات آلاف اليوروات. بل إن ثروته الرسمية تدهورت منذ إعادة انتخابه في عام 2002 بنحو 1.7 مليون يورو، حسب المصادر الرسمية الفرنسية وما صرح به الرئيس أخيراً.
ويضيف الدبلوماسي الفرنسي أن الشكوك في صدق ما يقوله الرئيس لا تتوقف عند فضائح الفساد والدفاتر، بل هناك لغط حول علاقة سرية تربطه بامرأة يابانية، يقال إنها أنجبت له طفلاً غير شرعي. وتحدثت معلومات عن أن شيراك يحتفظ في اليابان بقسم كبير من ثروته وأسراره، فلقد زار اليابان أكثر من اربعين مرة.
وجرياً على العادة، قدم شيراك في الأسبوع الماضي جردة بأصول أمواله المنقولة وغير المنقولة لديوان المحاسبة انسجاماً مع قانون صادر في 1962 يلزمه التصريح بكل أملاكه عند دخول منصبه أو الخروج منه. الأرقام التي قدمها الرئيس لا تنم عن نعمة كبيرة أو أملاك أرستقراطية عدا زوجته برناديت المنحدرة من تلك الأصول. وهي تمتلك قلعة في إقطاعية كوريز الواقعة في وسط فرنسا اشترتها في عام 1969 بسعر 200 الف فرنك، وتقدر قيمتها اليوم بنحو نصف مليون يورو.
ويمتلك الزوجان منزلاً قروياً في سانت فيريول الواقعة أيضاً في كوريز، كان شيراك ورثه عن والدته في 1973. لكن قيمته الحالية متواضعة جداً، فلا تزيد على 60 ألف يورو. وقدرت قيمة تحف ولوحات وأثاث عائلة شيراك بنحو 200 ألف يورو. فيما صرحت السيدة شيراك بامتلاكها لأسهم وسندات بقيمة 415 ألف يورو. ومعظم هذه الأصول السائلة ورثتها عن أهلها.
لكن أغرب ما صرح به الرئيس وزوجته هو السيولة النقدية التي يملكانها في سبعة حسابات، والتي بلغت 44756 يورو في الحساب المشترك، و25637 يورو في حساب الرئيس الشخصي. كما صرحا بامتلاكهما سيارة بيجو موديل 205 ، ينافس في قدمها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. فعمر سيارته 25 سنة، بينما عمر سيارة شيراك 28 سنة، وكلتاهما من الموديل نفسه.
الرئيس الفرنسي صرح بهذه الملكية «الثمينة» مع أنها ربما لم تعد تعمل، من باب الأمانة. وهذه نقطة تسجل له، ولا سيما أن السيارة لا قيمة سوقية لها ولا تصلح للمتحف لكونها ليست من السيارات النادرة.
من أسباب هبوط قيمة ثروة الرئيس الفرنسي بأكثر من مليون يورو بعد ولايته الثانية في 2002، تنازله عن شقة مساحتها 114 متراً مربعاً مطلة على نهر السين لابنته كلود التي يقال إنه يثق بها كثيراً ويستشيرها في كل شيء. لكن الفرنسيين في نيويورك، كما في باريس، يهمسون بأن شيراك، الذي أخفى الوظائف الوهمية في بلدية باريس، أخفى أيضاً الملايين في لبنان أو على الطريقة اللبنانية. ويتحدثون عن 300 مليون فرنك هربها للخارج تعادل اليوم عشرين مليون يورو. ورجحوا أن يكون شيراك قد اعتمد في تبييض هذه الأموال على رجال أعمال موضع ثقة، وربما وضعت في بيروت التي تتمتع بنظام السرية المصرفية، أو في طوكيو بواسطة الصديق المقرب، بما يضمن نفقات طفله المجهول.
شيراك نفى التقارير الصحافية التي تحدثت عن أملاكه في اليابان، بما فيها ملكيته لطفل غير شرعي من عشيقة سرية. لكن من ينظر إلى ثروته المتواضعة، وحياة البذخ التي عاشها، يصعب عليه تصديق كل ما يقوله.
فشيراك في عقده الثامن يستعد لمواجهة القضاء في فضائح فساد خلال أسابيع؛ ففي حزيران المقبل، يمثل رئيس الجمهورية السابق أمام قاضي التحقيق ألان فيليبو بعد رفع الحصانة الرئاسية عنه. وسيواجه محاسبة على فضيحة الوظائف الوهمية في بلدية باريس، والتي استفاد منها مقربون من حزب التجمع من أجل الجمهورية الذي ترأسه. وسبق للمجلس الدستوري الفرنسي تحت رئاسة وزير الخارجية الأسبق رولان دوما، ومن بعد المجلس المحكمة العليا، أن أصدرا قرارين يمنعان ملاحقة الرئيس رغم كثرة الأدلة عليه.