موسكو ــ حبيب فوعاني
هستيريا موسكو وإصرار واشنطن يخفيان في طياتهما مشاكل الكرملين والبيت الأبيض


أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك أمس أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ستقوم بزيارة إلى موسكو في 14و15 من الشهر الجاري، حيث من المتوقع أن تبحث «دائرة واسعة من القضايا الثنائية والعالمية»، بينها تسوية الملف النووي الإيراني والنزاع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي ووضع إقليم كوسوفو، وبالطبع خطة الإدارة الأميركية في شأن نشر عناصر منظومة الدفاع الأميركية المضادة للصواريخ في بولندا وتشيكياوكانت موسكو قد مهّدت لزيارة رايس باستخدام «مدفعيّتها النفسية الثقيلة»، حيث صرّح رئيس هيئة الأركان العامّة للقوات المسلحة الروسية الجنرال يوري بالويفسكي، في مؤتمر صحافي في موسكو في السابع من الشهر الجاري، بأنّ بلاده ستردّ حتماً على التهديدات، التي قد تنشأ بعد نشر عناصر المنظومة الأميركية.
وقال بالويفسكي، الذي سيقوم خلال اجتماع مجلس «روسيا ـــ الأطلسي» في بروكسل غداً بمحاولة إقناع الشركاء العسكريين لروسيا بعدم وجود خطر صاروخي من جانب إيران، إنّه «إذا رأت موسكو أن المنشآت، التي تُبنى أو التي ستُبنى على أراضي تشيكيا وبولندا، ستشكل خطراً على روسيا، فسنوجّه نشاطنا ضدّها». وأضاف أنّ طبيعة الإجراءات، التي ستتخذ، تُعَدُّ مسألة تقنية، مشيراً إلى أنّ كلّ ما يتردّد عن التهديد الإيراني لأوروبا والغرب يدخل في عالم التخويف، لأنّه «لن تسقط اليوم أو في المستقبل أيّ صواريخ إيرانية على أوروبا أو الولايات المتحدة».
وفي السياق، جاء وصف رئيس مجلس الفيدرالية الروسي سيرغي ميرونوف أمس، للتصريحات التي تشير إلى أن نشر عناصر منظومة الدفاع موجّه ضد الصواريخ الإيرانية، بأنها «مجرد خرافات» ليزيد من إصرار موسكو على معارضتها لمشروع واشنطن العسكري في أوروبا.
وعلى أيّ حال، لا تزال المباحثات حول نشر عناصر المنظومة تراوح مكانها، ويغيب عنها الحلّ الوسط. وفي ظلّ التضادّ بين موسكو وواشنطن، تسود حال من التناقض في الاتّحاد الأوروبي.
ويدعو الأميركيون زملاءهم الروس إلى إبداء «مرونة كبرى» وحلّ هذه المشكلة من دون «هستيريا زائدة»، إلّا أنّ من الواضح أنّ الهستيريا لا تزال سيدة الموقف.
ويثير الجدل الأميركي ـــ الروسي انطباعاً غريباً لدى المراقب المحايد. فالأخطار، التي تشكّلها الوحدات الصاروخية «البولونية» العشر ومحطة الرادار «التشيكية» على أمن روسيا هي وهمية، وكذلك تهديد الولايات المتحدة من جانب الصواريخ الإيرانية العابرة للقارات. فلماذا تثار كل هذه الهستيريا؟
يبدو أن الجانبين يحلّان بذلك مشكلاتهما الداخلية، فوزارة الدفاع الأميركيّة ومجمع الصناعات العسكرية الأميركية يريدان دائماً المزيد من النقود، لذلك هما بحاجة إلى مشاريع ضخمة تـُظهر لدافع الضرائب الأميركي الحرص على أمنه، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول 2001، حيث أصبح مؤهّلاً لتصديق كل الأوهام.
وقد تنشر واشنطن المنظومة لتعزيز الأطلسي، الذي أظهر في السنوات الأخيرة تشرذمه، بواسطة الأعضاء الجدد المطيعين من أوروبا الشرقية، وبالتالي فإنّ هستيريا موسكو قادرة، بحسب المخطّط الأميركي، على رصّ صفوف جميع أعضاء الحلف أمام «الخطر الجديد القادم من الشرق».
أما بالنسبة إلى القيادة الروسية، فمن المفيد لها تضخيم أجواء «القلعة المحاصرة» حيث يحيط بالبلاد الأعداء من كل جانب، لتوحيد المجتمع الروسي بعد لعبة «الديموقراطية»، التي كادت برأي الروس أن تقوّض الدولة، لذلك يُعَدُّ موضوع نشر المنظومة الأميركية هدية لها من السماء.
ويبدو أن الكرملين والبيت الأبيض يدركان نيات بعضهما الحقيقية. وكلّ هذا الضجيج الخارجي المثار تمويه على ما يجري في الواقع؛ فواشنطن ترعب موسكو بمنظومة دفاعها الصاروخية، والأخيرة تخوّفها «بإجراءات جوابية ملائمة». وكل ذلك يتم في حقيقة الأمر بهدف حل مشكلات أخرى ليس لها أدنى صلة بهذه القضية، إذ إن لدى أميركا مشكلاتها مع إيران والعراق وأفغانستان وكوريا الشمالية وفنزويلا، ولدى روسيا مشكلاتها مع دول رابطة الدول المستقلة مثل أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا وكذلك مع دول البلطيق، ولديها مشكلاتها الروسية الداخلية على أبواب الانتخابات النيابية والرئاسية في نهاية العام الجاري وبداية العام المقبل.
ويبدو أنّ زيارة رايس تأتي في سياق المساومة الناتجة من اللعبة المذكورة، مثلما كانت زيارة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى روسيا خلال الشهر الماضي.