إيلي شلهوب
لطالما وُصفت علاقة واشنطن بالرياض بأنها أشبه بـ«زواج ماروني»، الطلاق فيه ممنوع، وإن كان يمكن أن يشهد «هجراً». حال يبدو أنها تميز العلاقات بين الدولتين منذ مدة، لكنها بلغت من الحدة مكاناً ما عاد ممكناً السكوت عنه، وخاصة أن تداعياتها تمتد إلى بؤر في المنطقة، للأميركيين فيها مصالح حيوية.
أبرز هذه البؤر العراق، حيث يراقب السعوديون الوضع عن كثب، ويخشون تداعياته على مملكتهم. جهودهم الرامية إلى إغلاق حدودهم مع بلاد الرافدين خير شاهد.
يبدو واضحاً أنهم غير راضين عن نوري المالكي. يتهمونه بمحاباة إيران، والعمل على تقوية نفوذها، وتعزيز وضع الشيعة على حساب السنة. وهم أيضاً يراقبون الصراع المتفاقم داخل واشنطن في شأن الملف العراقي. يخشون انسحاباً أميركياً بغير وقته، يترك الساحة العراقية عرضة لرياح لا تشتهيها سفنهم. حال دفعت الرئيس جورج بوش إلى العمل على طمأنتهم بأن أي «انسحاب لن يحصل في عهدي». خبر أوردته «واشنطن بوست» قبل يومين، رد عليه السعوديون، بحسب المصدر نفسه، بالقول «يبقى لنا إذاً 18 شهراً لنخطط» لما بعد الاحتلال.
وجهة النظر السعودية تفيد بضرورة استبدال المالكي بأياد علاوي، الذي يبدو أنهم يغدقون عليه الدعم، السياسي والمالي، بهدف تأليف جبهة جديدة، يعمل عليها منذ مدة. تحالف يضم إلى كتلته البرلمانية، جبهة التوافق العراقية وجبهة الحوار الوطني والقائمة الكردية وبعض المستقلين، وإذا أمكن استقطاب جزء من المنضوين تحت لواء الائتلاف العراقي الموحد. حجتهم في ذلك أن تحالفاً كهذا سيخفف من حدة التوتر المذهبي في بلاد الرافدين، ويعيد إلى السُّنة بعضاً من السلطة.
توجّه لا يحظى برضى الأميركيين، الذين لا يزالون يؤكدون دعهم للمالكي، رغم استيائهم من أدائه، وخاصة بعدما فك ارتباطه بمقتدى الصدر.
زيارة ديك تشيني إلى السعودية السبت تبدو حاسمة في هذا الاتجاه. لكن إقامته في بغداد أول من أمس قد لا توفر له حججاً لإقناع السعوديين. لا بد أن يترك اهتزاز زجاج مبنى السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء على وقع التفجيرات، أثناء وجوده فيها، آثاره على محادثاته في الرياض.
كذلك الأمر بالنسبة إلى تصريحات مرافقيه والمسؤولين في واشنطن؛ لقد أوحوا أن إدارة بوش تتعرض لكمٍّ من الضغوط، لم تعد تحتمل فيه حتى أن يأخذ البرلمان العراقي عطلته الصيفية، في وقت «تُسال فيه دماء أبنائنا وبناتنا» في هذا البلد.
ضغوط بلغت أوجها يوم الثلاثاء الماضي، عندما نفّذ أحد عشر نائباً جمهورياً شبه انقلاب على بوش، الذي التقوه بحضور كوندوليزا رايس وروبرت غايتس وتشيني نفسه. رسالتهم إليه ما كان ممكناً أن تكون أكثر وضوحاً: لم نعد نحتمل. دعمنا لك في العراق أفقدنا شعبيتنا في مناطقنا ويهدد بخسارتنا الانتخابات المقبلة. سنبقى معك في المواجهة الحالية مع ديموقراطيي الكونغرس في شأن تمويل القوات، لكن ليس أكثر من ذلك. معك حتى أيلول. «الأمر الأساسي بالنسبة إلى الجميع هو محاولة إيجاد طريقة لإعلان النصر والخروج من هناك».
«انقلاب» لا بد أن يُترجم بشكل سريع في البيت الأبيض، والمنطقة. لعله انعكس في ثنايا خطاب الرئيس بشار الأسد أمس. وقد يزيد القادة الإيرانيين «دلعاً ودلالاً» في تعاملهم مع إدارة بوش، التي يرجح أن تفكر جدياً، خلال الفترة المقبلة، في عرض طهران تسهيل «خروج يحفظ ماء الوجه» لقواتها من بلاد الرافدين.