strong> بانت أمس بوادر انفراج ملموس على صعيد المعضلة العراقيّة، تمثّلت بإعلان إيران، رداً على عرض أميركي، عن استعدادها للجلوس إلى طاولة دبلوماسيّة واحدة مع واشنطن، شرط حصر المواضيع المطروحة للنقاش بالأزمة العراقيّة فقط
تزامن لقاء نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني مع الرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة أمس، مع إعلان طهران عن استعدادها للتفاوض مع واشنطن «حول الموضوع العراقي فقط»، في موقف علّق عليه البيت الأبيض بالإيجاب «لأنّ المسألة تتعلّق بقيام إيران بدور بناء» في بلاد الرافدين.
فقد نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) عن المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي الحسيني قوله أمس إنّ ايران وافقت على التباحث مع الجانب الأميركي في القضايا المتعلّقة بالعراق في بغداد، وإنّه سيتمّ تحديد الموعد ومستوى الوفد خلال هذا الأسبوع.
وأوضح الحسيني أن تلك المباحثات مخصّصة لـ «تخفيف آلام الشعب العراقي ومشاكله، ودعم حكومه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وإقرار الأمن والاستقرار في العراق»، مشيراً إلى أنّ طلب الولايات المتحدة إجراء تلك المحادثات مع بلاده تم تقديمه إلى كبار المسؤولين في طهران عن طريق السفارة السويسرية فيها، التي تتولّى رعاية المصالح الأميركية هناك.
أمّا البيت الأبيض، فقد أكّد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي فيه غوردن جوندرو، أنّ الولايات المتحدة ستناقش مسألة أمن العراق مع إيران خلال الاسابيع المقبلة من دون التطرّق إلى المسألة النوويّة الإيرانيّة، موضحاً، في حديث للصحافيّين على الطائرة الرئاسيّة الأميركيّة، أنّ هذه المحادثات ستجري بإدارة السفير الأميركي في بغداد راين كروكر، ونظيره الإيراني حسن كاظمي.
وأشار جوندرو إلى أنّ «الأمر لا يتعلق بالولايات المتحدة وإيران بل بالعراق، لأنّ المسألة هي حول قيام إيران بدور بناء في العراق»، من دون أن يحدّد الجهة التي بادرت إلى اجراء الاتصالات، ومشيراً إلى أنّ المحادثات المرتقبة تندرج ضمن «عملية جارية» حالياً وعقب لقاءات تمّت مع الايرانيين خلال مؤتمر شرم الشيخ في أوّل الشهر الجاري.
وكانت المتحدّثة باسم تشيني ليا آن ماكبرايد، قد أكّدت بعد محادثات الأخير مع مبارك أمس، أنّ واشنطن «على استعداد لإجراء مناقشات (مع طهران) تقتصر على القضايا العراقية على مستوى السفراء»، إلّا أنّها أعربت عن عدم إمكان تأكيد المعلومات حول اجتماع في بغداد مشيرة الى أنّها لا تعرف «شيئاً عن ذلك».
أمّا وزير الخارجيّة العراقي هوشيار زيباري، فقد علّق على الموضوع، في مكالمة هاتفيّة مع وكالة «أسوشييتد برس»، بالقول إنّه يتوقّع حدوث اللقاء في غضون الأسابيع المقبلة، موضحاً أنّ إتمامه في بغداد سيوفّر «نقاشاً جادّاً، هادئاً ومركّزاً حول المسؤوليّات والواجبات الملقاة على عاتق الجميع لإرساء الاستقرار في العراق».
ولفت زيباري إلى أنّه من المهمّ جدّاً مقاربة المسألة «مباشرة عبر طرح جميع المواضيع على طاولة النقاش»، مشيراً إلى أنّه مسرور «بموقف الجانب الإيراني الذي قبل الحوار وأعرب عن نياته واستعداده للمشاركة».
وكان تشيني أجرى أمس في القاهرة، المحطة الرابعة في جولته الشرق أوسطية التي قادته إلى العراق والإمارات والسعودية، محادثات مع مبارك ووزير دفاعه المشير محمّد حسين طنطاوي تركّزت حول الوضع في العراق والدور الإيراني في المنطقة.
وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، سليمان عوّاد، للصحافيين بعد اللقاء، إنّ «الجانب الأميركي أبدى تركيزاً خاصاً على الوضع في العراق والخليج وترتيبات أمن الخليج وصلتها ببرنامج إيران النووي»، مضيفاً أنّ «الرئيس (مبارك) أعرب عن دعم مصر للعملية السياسية في العراق، وأكّد أنّ نجاحها يرتهن بنجاح بناء وفاق وطني عراقي».
وأوضح عوّاد أنّه إذا انسحبت القوّات الأميركيّة الآن وفوراً من الميدان العراقي، «قبل استعادة قدرات الجيش والأمن العراقي على فرض القانون والنظام»، فإنّ مبارك «يخشى أن يخرج الموقف الراهن عن السيطرة».
وفي السياق، قال مسؤول في عمّان، حيث من المتوقّع أن يجري تشيني محادثات مع الملك الأردني عبد الله الثاني اليوم، لوكالة «رويترز»، إنّ بعض الدول العربية تختلف مع الرؤية الأميركية للعراق، مشيراً إلى أنّ «الأردن يخشى من أن تكون واشنطن تقوم بحشد حلفائها العرب ضدّ إيران لا أن تحاول تحقيق الأمن الإقليمي».
وكان تشيني قد أجرى أوّل من أمس مباحثات مع ملك السعودية عبد الله في تبوك شمال المملكة، في خطوة وصفت بأنها تأتي في إطار عمليّة «ترميم» الخطوط الدبلوماسيّة بين واشنطن والرياض، وخصوصاً بعد رفض الملك استقبال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أوّل الشهر الجاري «لانحيازه إلى شيعة العراق على حساب سنّته».
وبحسب مصادر مقرّبة من الأجواء، تحدّثت لوكالة «يونايتد برس إنترناشونال»، تمحورت المحادثات حول «عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك وخصوصاً الأوضاع المترديّة في العراق، بالشقّين الأمني والسياسي، وعملية السلام في المنطقة إضافة إلى الملف النووي الإيراني المثير للقلق».
وتأتي زيارة ديك تشيني للسعوديّة بعد إلغاء الرياض زيارة كان يفترض أن يقوم بها عبد الله لواشنطن، وأظهرت الصحف الأميركية مبرّراته من خلال تقارير كثيرة حول عدم توقّع القيادة السعودية أن تسفر الزيارة عن نتائج ملموسة.
(أ ف ب، يو بي آي،
رويترز، أب، د ب أ)