باريس ـــ بسّام الطيارة
ساركوزي يسعى لاستقطاب اليسار خشية «المساكنة»
بلغ وهن الحزب الاشتراكي الفرنسي وانشغاله في الصراع الداخلي حداً أنه لم يلتقط «ارتداد كرة قضية كليرستريم»، التي قد تصيب شظاياها الرئيس المنتخب، فلم يصدر عنه أي تعليق على زيارة قاضي تحقيق مكتب محامي نيكولا ساركوزي، كما لم يصدر أيضاً أي تعليق على أخبار زيارات «بعض أركان اليسار الميتراني» إلى مقر الرئيس الجديد وعروض رئيس الوزراء المرتقب فرانسوا فييون الانفتاح على الوسط واليسار الديموقراطي عبر ضمهما إلى حكومته التي يعتزم تأليفها.
يبدو الحزب الاشتراكي مشغولاً في «حرب زعامة» غير معلنة بين «فيلة الحزب» وبين المرشحة، التي لم يحالفها الحظ سيغولين رويال، وبينهما يحاول سكرتير عام الحزب فرنسوا هولاند المحافظة على موقعه وبالتالي الاحتفاظ بزعامة نظرية عليه.
وقد التأم المجلس الوطني للحزب، الذي يضم ٣٠٤ أعضاء، أول من أمس، للتحضير للانتخابات النيابية التي تطل على الأبواب في مطلع الشهر المقبل، وأمام أعضائه هدف واحد: محاولة «كسر ديناميكية انطلاقة اليمين» في سياق وصول ساركوزي إلى الرئاسة والحد من مخاطر هيمنة الحزب اليميني على مجلس النواب، ما يعطيه حرية مناورة غير محدودة لتنفيذ طروحاته وبرنامجه الانتخابي.
ويقول عارفون ببواطن الأمور في الحزب الاشتراكي إن «حالة الحزب يرثى لها» في ظل عدم استخلاص زعمائه العبر من الهزائم المتتالية التي تضرب به منذ غياب الرئيس الراحل فرانسوا ميتران؛ فالحزب المعروف بأنه «حزب تيارات» ذات طروحات متناقضة في بعض الأحيان، بات غير قادر على الجمع بينها، وهي المهمة التي تقع على عاتق الأمين العام هولاند، الذي ظهر عجزه بعدم قدرته على منع ترشح ثلاثة أقطاب إلى الرئاسة.
وأظهرت الانتخابات الداخلية تفاوت القوى بين التيارات التقليدية؛ تيار لوران فابيوس اليساري الراديكالي وتيار شتروس خان (الاشتراكي الليبرالي) وتيار التجديد الذي مثلته رويال والذي حصد ما يزيد على ثلثي الأصوات في الحزب.
إلا أن عجز الأمين العام ظهر أيضاً في عدم قدرته على «إجبار التيارين الخاسرين» على دعم المرشحة رويال قبل الدورة الأولى. ويتفق كثيرون في الحزب على القول إن «إدارة تيار فابيوس ظهره لحملة رويال» والدعم السطحي لشتروس خان من أهم أسباب خسارة المرشحة الاشتراكية بهذا الفارق الكبير.
إلا أن رويال، التي ليست عضواً في المجلس الوطني ولا في المكتب السياسي للحزب، أثبتت أنها تسيطر على القاعدة بخلاف «آلة الحزب». ويقول مقرب من رويال «لولا قرب موعد الانتخابات النيابية، لكان في استطاعة رويال إرسال كل الفيلة إلى منازلهم ووضع يدها على الحزب كاملاً». إلا أنه يبدو أن رويال فضلت، في هذه المرحلة، ترطيب الأجواء لتجاوز مرحلة الانتخابات من دون خضّات تزيد من شرذمة الحزب.
ويبدو من التسريبات التي خرجت حول مداولات المجلس الوطني أن الحزب قرر «العضّ على جراحه» وتجاوز الخلافات والذهاب إلى المعركة الانتخابية متّحداً. ويبدو أيضاً أن الحزب سيتجاوز نقطة الخلاف حول «زعامة الحملة الانتخابية» التي تطالب أكثرية بأن تؤول إلى رويال، وذلك بإبقاء الوضع كما هو بما يقود إلى تولي هولاند الحملة الانتخابية.
إلا أن علامات كثيرة تشير إلى «عدم قدرة الحزب على تجاوز السيدة رويال»، كما أسرّ أحد أعضاء المكتب الوطني، وهو الهيئة المنبثقة عن المجلس الوطني، الذي قال «إن رويال، التي ليست عضواً في المكتب، باتت مدعوّة دائمة»، وهو ما أكدته مصادر عديدة، ما يعطيها دوراً قيادياً لا لبس فيه.
وقد استغلت رويال فرصة انعقاد المجلس لتعلن «أن على الحزب النظر إلى عام ٢٠١٢» وهو موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، والعمل على التحضير لها. ويرى العديد من الاشتراكيين في ذلك أنها إشارة إلى عدم رغبتها بالتخلي «عما كدسته من شعبية» خلال الحملة، والبروز بصورة «المرشح الطبيعي» للحزب الاشتراكي واليسار بشكل عام، أي تريد أن تبقي نفسها «محاوراً للرئيس المنتخب» في جبهة معارضة موحدة.
كما ان دعوتها، التي تتجاوز حملة انتخابات نيابية تبدأ بعد أيام، يمكن أن تؤمن لها «درعاً حامية» في حال خسارة الحزب للانتخابات. إذ تشير الدراسات الأولى لنتائج الانتخابات الرئاسية إلى احتمال أن يحصل الحزب الحاكم على أكثرية مريحة على حساب الأحزاب الصغيرة وبدرجة أقل على حساب الحزب الاشتراكي، إلا إذا قرر الناخبون الفرنسيون «خوض تجربة مساكنة» جديدة بإرسال أكثرية برلمانية من اليسار لتحكم مع رئيس من اليمين.
وفي هذه الحالة، يجد ساركوزي نفسه أمامه رويال كرئيسة وزراء ليعيش معها التجربة التي عاشها شيراك مع جوسبان لمدة خمس سنوات.
ولعل الخوف من هذه التجربة هو الذي يدفع الحكم الجديد المنتخب إلى محاولة جذب بعض الوجوه اليسارية، وخصوصاً من الحزب الاشتراكي، وإغرائها بحقائب وزارية. ومن أبرز السياسيين الـ«مدموغين اشتراكياً»، الذين قابلوا ساركوزي أو فريق عمله، هيوبرت فيدرين الأمين العام للإليزيه في عهد ميتران ووزير خارجية في وزارة جوسبان، وكلود أليغر الذي احتل عدداً من الوزارات في عهدي ميتران وجوسبان، بالإضافة إلى آن لوفرجون رئيسة مجلس إدارة شركة «أريفا»، عملاق الصناعات النووية والتي كانت من أقرب المقربين لميتران.
وحسب بعض المصادر، فإن عروض إغراء لوفرجون تنبع من حسابات مختلفة بعيدة جداً عن السياسة الضيقة وتتصل بوعود المرشح ساركوزي لعالم الأعمال، ومن ضمنها «تخصيص شركة أريفا»، التي تملك الدولة الفرنسية أكثرية أسهمها، إلا أن العائق الأول أمام عملية التخصيص هو معارضة رئيس مجلس إدارتها.
وبانتظار الإعلان عن الحكومة الجديدة في مطلع يوم الخميس المقبل، تتواصل حركة مواكب السيارات التي تدخل وتخرج من مقر عمل الرئيس المنتخب، يستقلها مدعوون ومستدعون، بعضهم يبحث عن موقع جديد له في حكم العهد الجديد والبعض يحاول تحسين موقعه.