باريس ــ بسّام الطيارة
إذا كان ثمّة قطيعة يجلبها عهد نيكولا ساركوزي في ممارسات الجمهورية الفرنسية منذ الثورة، فهي تتمثّل في إعطاء رشيدة داتي (42 عاماً) ذات الأصول العربية، حقيبة وزارة العدل. وهي في هذا المركز المفصلي لا تؤدي دور «وزير رفع عتب» كما كانت الحال في كل مرة تمّ توزير فرنسي من أصل عربي أو أفريقي فتُسند إليه إمّا وزارة المحاربين القدامى أو وزارة تفصّل على قياس رغبة إبعاده قدر الإمكان عن الاحتكاك اليومي بالفرنسيينورشيدة داتي المغربيّة الأصل، كانت ناطقة باسم الرئيس الجديد، واحتلّت حيزاً مهماً في الفضاء الإعلامي خلال حملته الانتخابية، وهي تعدّ، عموماً، من المقربين جداً إليه، ويمثّل توزيرها مكافأة لها على عملها الدؤوب منذ التحقت بوزارة الداخلية كمستشارة.
وتقول داتي إنّ اختيارها لم يكن «لحسابات انتخابية» أو لاستمالة الأصوات العربية والمسلمين، وإن «أصولها العربية لم تكن وراء اختيار ساركوزي لها»، مشدّدةً على أنه أكّد لها «اختيارها بسبب قدراتها وخبرتها»، فهي خريجة المعهد الوطني للقضاة، وحائزة شهادة عليا في العلوم السياسية والإدارة.
وعملت داتي على إعداد ملفات تتعلّق بمجال اختصاصها مثل «مكافحة الجنح لدى غير الراشدين»، خصوصاً أنه سبق لها أن عملت قاضيةً في مدن وضواح عديدة تشكو كثيراً من العنف، قبل انتقالها إلى فريق الإعداد للانتخابات وتصدّر واجهته الإعلامية. وقد اعتمد ساركوزي كثيراً عليها لشرح أفكاره وطروحاته المتعلّقة بمسائل المهاجرين وعنف الضواحي وطرق معالجتها.
وبالنسبة للخطاب التواصلي الذي اعتمد «نموذج الفرنسيين من أصول مهاجرة مندمجة في المجتمع الفرنسي»، كانت داتي بالمرصاد، فهي ولدت في منطقة سان ــــــ ريمي من أب مغربي عامل في ورش البناء، وأم جزائرية تعمل في التنظيف، أنجبا 12 ولداً بينهم 8 فتيات، هي الثانية بعد البكر بينهن.
وعاشت داتي طفولتها تساعد والدتها وتدرس في الوقت نفسه. وقد اكتسبت قّوة شخصيّتها في منطقة «شالون سور سون»، التي تعيث فيها البطالة بسبب كثرة المهاجرين. وبدأت عملها في سن الـ 16 في مصحّ طبي قبل الانتقال للعمل في شركة نفطية بصفة مساعدة محاسب، إلى أن دخلت شركة «ماترا» للاتصالات نتيجة لقائها بصاحب الشركة الصناعي الكبير جان لوك لاغاردير، وهو بالمناسبة والد «الصديق الحميم لساركوزي» أرنو لاغاردير، الذي يملك من ضمن ما ورثه، امبراطورية صحافية ضخمة.
وتقاطع المعارف بين داتي وساركوزي يوجِد نقطة مشتركة مهمة بينهما، فهي مثله من الجيل الأوّل للمهاجرين، واستطاعت بجهدها، كما فعل هو، أن تثبّت قدميها في واجهة المشهد السياسي الفرنسي، وتمسك وزارة قد يكون لها في الأيام المقبلة دور كبير جداً في تحديد مصير الملاحقات القضائية التي يمكن أن يتعرّض لها الرئيس السابق جاك شيراك بعد أن تسقط عنه الحصانة خـــلال 3 أســابيع.