strong>حسام كنفاني
عادت قضية الصحراء الغربية إلى الواجهة بعد القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، الذي سعى إلى الموازنة بين مطالب جبهة «البوليساريو»، التي تطرح نفسها ممثلة لـ«الشعب الصحراوي»، والمملكة المغربية، التي تؤكد احقيتها السيادية على الصحراء الغربية، وهو ما يعطي دور الأمم المتحدة هذه المرة فرصة إحداث اختراق تفاوضي

  • مواجهة مغربية ـ جزائرية تؤدّي «البوليساريو» دوراً رئيساً فيها

    سنوات طويلة مرت على مشكلة الصحراء الغربية وتوترات كثيرة ظهرت بين الأطراف الرئيسية في الأزمة، وكلما اقتربت هذه المشكلة من الحل، عادت الخلافات السياسية لتقضي على فرص رأب الصدع بين الطرفين، وهو ما يجعل المكلفين بحل الأزمة والمبعوثين الخاصين للمنطقة يرفعون الراية البيضاء ويعترفون بإخفاقهم.
    إلا أن الأزمة الصحراوية تبدو متجهة إلى منحى مختلف هذه المرة في عهد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إذ سعى مجلس الأمن في قراره الأخير الأسبوع الماضي إلى إرضاء طرفي النزاع؛ فهو تبنى، من جهة، مقترح جبهة «البوليساريو» المطالب بتقرير مصير الشعب الصحراوي، ورحّب من جهة أخرى بمخطط الحكم الذاتي المغربي، باعتباره «مجهوداً مهماً يقوم به المغرب لحل النزاع»، داعياً الطرفين إلى تفاوض مباشر وغير مشروط.
    ودفعت هذه الصيغة المغرب و«البوليساريو» إلى الترحيب بالدعوة الدولية، كل لاعتباراته الخاصة؛ فقد رحّب المغرب بالدعوة من منطلق أن قرار مجلس الأمن لم يذكر الاستفتاء، الأمر الذي يعني، بحسب الرؤية المغربية، أن مسألة تقرير المصير قد تحسم خلال المفاوضات. أما «البوليساريو» فكانت سعادتها عارمة بمصادقة مجلس الأمن على تقرير مصير الشعب الصحراوي، على اعتبار أنها مقدّمة لإجبار المغرب خلال المفاوضات على قبول خيار الاستفتاء.
    تفاؤل جبهة «البوليساريو» جاء أيضاً بعد اطلاعها على تقرير بان كي مون قبل أن يرفعه إلى مجلس الأمن، ودعوته إلى إعطاء الشعب الصحراوي حقه في تقرير مصيره عن طريق الاستفتاء، إلا أن هذه النقطة لقيت معارضة شديدة من فرنسا والولايات المتحدة خلال مشاورات المجلس، ورجحتا مقترح المغرب القاضي بالحكم الذاتي.
    32 عاماً من الصراع
    يعود الصراع بين المغرب و«البوليساريو» إلى عام 1975، تاريخ انسحاب إسبانيا من إقليم الصحراء الغربية بعد احتلال دام اثنين وتسعين عاماً. الأزمة الأولى التي ظهرت للعلن حينها كانت خلاف المغرب وموريتانيا على أحقية السيطرة على الإقليم، إلى أن استطاع البلدان إبرام صفقة مع إسبانيا عرفت بـ «اتفاق مدريد» عام 1976، قسمت على إثره الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا مع إشراك إسبانيا في استغلال مناجم الفوسفات في الصحراء. وفي عام 1978، انسحبت موريتانيا من الصحراء بعد سنوات من الاشتباك مع مقاتلي البوليساريو، وأعلنت في عام 1979 الاعتراف بالجمهورية الصحراوية.
    الجزائر والصحراء
    اتسمت العلاقة الجزائرية ــــــ المغربية بالتوتر منذ ما قبل اندلاع أزمة الصحراء الغربية لاعتبارات حدودية وسياسية، إلا أن تفجّر الأزمة الصحراوية، ودخول الجزائر طرفاً مباشراً فيهاكرّسا الفراق السياسي بين البلدين.
    ففي المؤتمر الثاني لجبهة البوليساريو في آب 1974، حُددت الجزائر حليفاً استراتيجياً للجبهة، خصوصاً أنها لم تلق تجاوباً خلال محاولة التسويق لمشروعها في الداخل المغربي، الأمر الذي دفعها إلى الارتماء في حضن المشروع الجزائري، الذي يرى في استرجاع المغرب لصحرائه «تهديداً للوحدة الجزائرية ووسيلة لتطويقها ومقدمة لإجهاض ثورتها»، كما صرح بذلك الرئيس هواري بومدين في خطاب ألقاه يوم 24 شباط 1976.
    وبناء على هذه المعطيات، قررت الجزائر خوض حرب استنزاف سياسية وعسكرية طويلة الأمد، وهو ما تجلى في حصول أول مواجهة عسكرية مغربية ــــــ جزائرية في امغالا في كانون الثاني 1976 استمرت ثلاثة أيام، وأعلن خلالها المغاربة أنهم أسروا نحو مئة جندي جزائري. وقد انتهى التوتر العسكري على إثر الوساطة المصرية.
    بعد ذلك تحوّلت المواجهة بين البلدين إلى سياسية وعسكرية، بعدما تبنّت الجزائر أطروحة تقرير المصير للشعب الصحراوي، واعتمدت الحرب غير المباشرة عن طريق جبهة البوليساريو، التي عمدت الجزائر إلى تقويتها عسكرياً.
    في آذار 1976، قطعت العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، والتي لم تعد إلا بعد 12 عاماً، أي سنة 1988. وتلا ذلك، إغلاق الحدود وطرد المغاربة المقيمين في الجزائر، التي نجحت في توفير اعتراف عدد من الدول بالجمهورية الصحراوية.
    في المقابل، استفاد المغرب من الدعم العسكري للإدارة الأميركية في عهد رونالد ريغان. واعتمد استراتيجية عسكرية تقوم على عمليات تمشيط الإقليم وإقامة جدران دفاعية من الرمال والأحجار.
    مقترحات التسوية
    بعد 16 عاماً من النزاع المسلح بين المغرب و«البوليساريو»، قبل الطرفان مخطط التسوية الذي اقترحته منظمة الأمم المتحدة والوحدة الإفريقية سابقاً عام 1990 بهدف تنظيم استفتاء في إقليم الصحراء يختار خلاله سكانه بين أمرين: إما الاستقلال أو الانضمام إلى المملكة المغربية. ووقّع الطرفان، في أعقاب ذلك، اتفاقية هيوستن عام 1997 تحت إشراف المبعوث الخاص للأمين العام السابق للأمم المتحدة جيمس بيكر، وهو ما دفع المنظمة الدولية إلى الاعتقاد بأنها حققت انتصاراً في حل النزاع.
    لكن مشروع الاستفتاء جرى جُمد بسبب خلافات في شأن طبيعته وهوية المستفتين. فهل المستفتَى هم السكان حسب السجلات الإسبانية أم هم السكان الحاليون للأقاليم الصحراوية؟ وكيف نميزهم في المدن التي يسيطر عليها المغرب أو المخيمات التي يتجمع فيها أنصار جبهة البوليساريو؟ وما حدود الاعتبارات والضوابط القبلية في تحديد المستفتيْن؟
    وهكذا، تحوّل الاتفاق على مبدأ الاستفتاء إلى خلاف بلا حدود في شأن حدوده وآلياته ومجالاته والمستهدفين به والقائمين عليه.
    وبقي الأمر على ما هو عليه حتى عام 2000، عندما بدأ الملك المغربي محمد السادس تحركاته، التي قوبلت بمبادرة فرنسية ــــــ أميركية قُدمت إلى مجلس الأمن لصوغ حل سياسي. وتنص المبادرة المذكورة على إعطاء حكم ذاتي للصحراويين ضمن سيادة المغرب، وقد انتهت مع تقديم المبعوث الأممي جيمس بيكر في 2001 «الاتفاق/ الإطار لحل مشكلة الصحراء». وينص هذا الاتفاق على استقلال موسع للصحراء يبقيها مرتبطة بالمغرب في المجال الخارجي والعملة والعلم، وهو ما رفضته «البوليساريو».
    هذا الرفص دفع الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان إلى الإعلان في شباط 2002 عن تقرير قدم إلى مجلس الأمن يتضمن أربعة اختيارات لحل مشكلة الصحراء: تنظيم استفتاء في المنطقة من دون اشتراط اتفاق الطرفين، أو إعطاء حكم ذاتي للصحراويين ضمن سيادة المغرب، أو تقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو، أو سحب الأمم المتحدة للمراقبين الدوليين العاملين في الصحراء منذ 11عاماً وترك الأطراف المعنية وشأنها.
    لكن أياً من هذه المشاريع لم ير النور حتى الآن، ولا يزال الطرفان المتنازعان يتبادلان التهم بخرق الاتفاقات الدولية. وحتى الصيغة الأخيرة في القرار الدولي قد لا تشكّل حلاً تاماً للأزمة، ولا سيما أن العراقيل التي تقف في وجه الاستفتاء لا تزال نفسها، والطرفان لن يرضيا بأي تعريف للمنتمين إلى الصحراء الغربية لا يتوافق مع توجهاتهما، وهو ما قد يعيد الأمور إلى أحد مقترحات أنان، وهو التقسيم، الذي ترفضه المغرب و«البوليساريو».


    البوليساريو بعد انتهاء الاحتلال الأسباني للصحراء، التي تتألف من إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب، عام ١٩٧٦، أعلنت الجبهة عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية.
    تولى الولي مصطفى السيد الرقيبي الرئاسة الأولى لجبهة البوليساريو، إلا أن رئاسته لم تزد عن ثلاث سنوات، أي منذ تأسيسها حتى مقتله في 9 حزيران 1976 خلال هجوم على العاصمة الموريتانية نواكشوط، وقد أصبح محمد عبد العزيز أميناً عاماً للجبهة ورئيساً لمجلس قيادة الثورة من آب 1976 وحتى اليوم.


    مبادرة محمد السادس
    تنص المبادرة التي قدمها الملك المغربي محمد السادس على الآتي:
    «تكفل المملكة المغربية لكافة الصحراويين، سواء الموجودون في الداخل او في الخارج، مكانتهم ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيداً عن أي تمييز أو إقصاء.
    يتولى سكان الصحراء، وبشكل ديموقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية، كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والاسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة.
    تحتفظ الدولة المغربية باختصاصاتها في ميادين السيادة، لا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية. يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستمارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقاً لتقرير المصير ولإحكام ميثاق الامم المتحدة».


    محكمة العدل الدولية
    تقدّم المغرب عام 1974 بطلب إلى الأمين العام للأمم كيرت فالدهاين لإحالة ملف الصحراء الغربية إلى محكمة العدل الدولية لتعزيز مطالبه. لكن المحكمة أشارت إلى أن الصحراء الغربية لم تكن، غداة استعمارها من طرف إسبانيا، أرضاً بلا سيادة، لأنها كانت مأهولة بالسكان والقبائل والعشائر التي تفاوضت مع إسبانيا آنذاك، إلا أنها أقرّت بوجود تشارك كبير في العادات والتقاليد وبعض المراسلات الدبلوماسية القديمة بين المغرب والصحراء حول الجباية والضرائب وتعيين القادة.