يبدو أنّ «العقل السياسي» الليبي بات خبيراً في عقد الصفقات التي من شأنها «تحسين العلاقات» بين طرابلس من جهة، والغرب من جهة ثانية؛ فبعدما أدّت «مؤسسة القذافي للتنمية»، دوراً أساسياً في التوصل إلى حل عام 2003 سمح برفع الحصار الدولي الذي كان مفروضاً على البلاد على خلفية حادث طائرة لوكربي، تسير قضية الممرضات البلغاريات الخمس والطبيب الفلسطيني المتهمين بنقل مرض «الإيدز» الى أطفال ليبيين، نحو «الحلحلة» بعد تبرئة القضاء الليبي أمس المتهمين من دعوى رفعها ضباط ليبيون، اتهموهم بالافتراء عليهم بسبب إعلانهم خلال محاكمتهم بأنهم تعرّضوا للتعذيب لانتزاع اعترافات منهم.وأعلنت بلغاريا ارتياحها للحكم القضائي، وإن كان «لا يسهم في حل القضية الرئيسية»، كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ديميتار تسانتشيف.
أما ادريس الآغا، ممثل أسر الأطفال الذين توفّوا أو أصيبوا بالإيدز، فقال من جهته، فور صدور الحكم، إن «سير هذه القضية والحكم فيها لا يؤثر على القضية المنظورة أمام المحكمة العليا». وأضاف الآغا إن المطلوب للتوصل إلى اتفاق «ضمان علاج الأطفال في الخارج والداخل مدى الحياة»، وإن هناك احتمالاً قريباً جداً للوصول إلى تسوية، مشيراً إلى «مطالب أخرى، مثل تعويض الأسر»، التي أوضح أنها طلبت عشرة ملايين يورو عن كل حالة.
وجاء القرار القضائي الليبي، في ظل معلومات استطاعت «الأخبار» الحصول عليها تفيد بأن «القضية في حكم المنتهية، وأن هناك مفاوضات يتم تداولها بعيداً عن وسائل الإعلام، وليبيا تريد إنهاء هذه القضية في أسرع وقت، لأنها أثرت سلباً على علاقتها مع الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية».
وكشفت مصادر دبلوماسية عربية وليبية واسعة الاطّلاع، الأسبوع الماضي، أن المفاوضات السرية تسير بسرعة بين السلطات الليبية من جهة وكل من الاتحاد الأوروبي والحكومة البلغارية من جهة أخرى، من أجل التوصل إلى صفقة لحل القضية، ومن المنتظر أن يتم عرض النتيجة النهائية لهذه المفاوضات، في حال نجاحها، على المجلس الليبي الأعلى للقضاء، الذي سيصدر قراراً باعتبار القضية منتهية ويتم إطلاق سراح الفريق الطبي البلغاري.
وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن «المفاوضات التي تعقد بإشراف مباشر من نجل الزعيم الليبي، ورئيس «مؤسسة القذافي»، سيف الإسلام، قد حققت تقدماً ملموساً بنسبة 50 في المئة». وأوضح أن «وتيرة هذه المفاوضات تسارعت في ضوء تفعيل بلغاريا لضغوطها داخل الاتحاد الأوروبي لتجميد العلاقات الليبية ـــ الأوروبية بانتظار حسم الملف»، مشيرةً إلى أن طرابلس ترغب في تفادي توتر علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، بعد طول قطيعة سياسية ودبلوماسية بين الجانبين.
وتشير المعلومات إلى أن «الصفقة تشمل تعهّد الاتحاد الأوروبي وبلغاريا بمساعدة مئات من الأطفال الليبيين الذين أصيبوا بمرض نقص المناعة المكتسبة، وتوفير العلاج اللازم لهم في أفضل مستشفيات دول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما في فرنسا وألمانيا»، إضافة إلى تعويضات مالية لأهاليهم.
وقد دعم هذه المعطيات، إعلان مؤسسة القذافي أمس عن «بوادر انفراج قريب لحل الأزمة في المستقبل القريب». وأوضحت المؤسسة، في بيان، أن ذلك جاء بعد اجتماعات عقدت في بروكسل في العاشر من أيار الجاري بين ممثلين أوروبيين وأميركيين، وآخرين عن أسر الأطفال، قالوا إنها «لقيت ترحيباً وقبولاً من الأسر».
وكان وزير الخارجية البلغاري إيفايلو كالفين قد قال الأسبوع الماضي إنّ الحوار لضمان الإفراج عن الممرضات البلغاريات المحكومات بالإعدام في ليبيا، «استؤنف أخيراً بين بلغاريا والاتحاد الأوروبي وطرابلس».
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي)