حسن شقراني
يعترف طارق شفيق، وعلى الرغم من إمضائه وخبيرين نفطيّين أشهراً عديدة من العام الماضي في خطّ قواعد مسوّدة قانون النفط العراقي التي قدّمتها حكومة نوري المالكي إلى العلن في شباط الماضي، بأنّ ثغراً كثيرة تعتري المسوّدة المثيرة للجدل، أبرزها عدم تحديد آليّة التنسيق بين الحكومة المركزيّة وحكومات الأقاليم، وخصوصاً في كردستان الغنية بـ «الذهب الأسود»، وعدم تأمين الحماية التامّة للمستثمرين.
لكن هواجس شفيق تطغى عليها بواعث قلق أكبر تهدّد مبدأ «استفادة العراقيّين» من نفطهم، وتتعلّق بعاملين: الأوّل داخلي، عبّر عنه وزير النفط العراقي السابق محمّد الجلبي من خلال تساؤل عن مدى إيجابيّة القانون فيما يحصر اهتمامه بتأليف إطار ملائم للاستثمارات الأجنبيّة، مثلما أشار إليه النائب البرلماني عن «جبهة الحوار الوطني العراقيّة» محمّد الدايني لدى تطرّقه إلى التضارب بين حديث الجانب الأميركي عن «سيادة العراق» وإصراره في الوقت نفسه على التدخّل في شؤونه عبر الإلحاح في إقرار القانون.
أما العامل الثاني فمصدره واشنطن؛ ففي الأسبوع الماضي، أرسل النائب الديموقراطي والمرشّح إلى معركة الرئاسة الأميركيّة دينيس كوتسينيش رسالة إلى زملائه الديموقراطيّين تضمّنت دعوة إلى العمل على رفض مسوّدة القانون كلّياً، وتزامنت مع مطالبة مجموعة من مراقبي الصناعة النفطيّة ودعاة سلام، رئيسة المجلس النيابي نانسي بيلوسي، بعدم السعي إلى ربط سحب القوّات الأميركيّة من الميدان العراقي بإقرار نهائي للمسوّدة المذكورة.
وعن النقطة نفسها، يعيد رئيس المجلس العراقي للاتّحادات النفطيّة حسن عوّاد، في رسالة وجّهها إلى ديموقراطيّي الكونغرس أيضاً، إلى الأذهان «أسباب الغزو»، معتبراً أنّ الربط المستحدث سيرجّح فرضيّة الاحتلال «من أجل النفط» لا «من أجل إطاحة دكتاتوريّة».
وبالعودة إلى الأصل، تفترض مسوّدة القانون إنشاء «مجلس اتّحادي للنفط والغاز» يضمّ ممثّلين عن الحكومة المركزيّة وآخرين عن حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، يمتلك حقّ نقض العقود الموقّعة، إلّا أنّ الغريب فيه يكمن في تضمّنه ممثّلين عن الشركات المستثمرة، وهو سابقة على المستوى الدولي.
ووصف المحلّل في شركة «.OPPENHEIMER AND CO» الأميركيّة، فضل غيط، الدور الممنوح للمستثمرين في إمرار العقود التي ستحدّد مستوى أرباحهم وآليّة عملهم، بأنّه «علم أحمر» في وجه فرضيّة «عمل الأميركيّين» لمصلحة العراقيّين بشأن ذهبهم الأسود، وتوجّههم بالأحرى إلى «فرض ما يجب فعله عليهم».
وبغضّ النظر عن مدى حاجة الصناعة النفطيّة في العراق إلى إعادة تأهيل تقنيّة يؤمّنها الرأسمال الغربي، فإنّ إشباع هذه الحاجة عبر القانون المطروح، يُبرز ثنايا العقد التي سيولّدها عبر مساسه أوّلاً بالوحدة الوطنيّة من خلال منح «الهيئات المختصّة» في الأقاليم تفويضاً خاصّاً في التعامل مع الشركات المستثمرة، وثانياً بسقف الإنتاج الوطني حيث يراه القانون غير محدود، وثالثاً عبر طرحه اجتهاد «عقود الاستكشاف والإنتاج» الممتدّة إلى 35 عاماً، والتي ستتكبّد بموجبها بلاد الرافدين خسائر ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات.
إنّ تحفّط الجانب الكردي على ملاحق مسوّدة القانون، على قاعدة اعتبار حرمان «شركة النفط الوطنيّة» لحكومة الإقليم من السيطرة على حقولها النفطيّة مسألة «غير دستوريّة»، يُظهر الأسباب الواضحة لعدم إقرار القانون في 15 من الشهر الجاري في مجلس النوّاب، لكن خلفيّة اللعبة الدائرة في واشنطن حول قانون تمويل احتلال العراق الذي مرّر في الأسبوع الماضي، قد تُبرز في المستقبل جوانب أكثر سوداويّةً شارك في صوغها الديموقراطيّون بعد تحديد أساسي من الشركات النفطيّة الكبرى، وظهرت بـ «وداعة» ربط «السير قدماً في إعادة الإعمار» بتطبيق المعايير الـ 18 المطلوب من حكومة نوري المالكي تطبيقها قبل الخريف المقبل، وبينها إقرار قانون النفط.