موسكو ــ حبيب فوعاني
يُكثِر النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية سيرغي إيفانوف، في الآونة الأخيرة، من تصريحاته اللاذعة حول أبرز قضايا السياسة الخارجية الروسية، في حين أن هذه القضايا تخرج عن دائرة صلاحيات النائب الأول لرئيس الوزراء، الذي يجب أن يركز اهتمامه على الاقتصاد، بحسب القانون الروسي.
ويبدو أن جنرال الاستخبارات ووزير الدفاع السابق مخوّل، بعد فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، بالتعليق على أهم القضايا العسكرية والسياسية والسياسة الخارجية الروسية، وذلك يعني أنه يحظى بمكانة خاصة لدى بوتين، ما يدفع إلى الاستنتاج بأن بوتين اختاره خليفة له بعد تنحّيه في عام 2008.
ثمانية أشهر لا تزال تفصل المجتمع الروسي عن الانتخابات الرئاسية، التي يمكن حدوث تغييرات كثيرة فيها. ومع ذلك يمكن التأكيد في ضوء المواجهة المتصاعدة بين روسيا والغرب أن الرئيس الروسي الجديد سيكون «سيادياً»، أي من ممثلي الأجهزة الأمنية أو العسكرية.
ويعيد المحللون السياسيون ذلك إلى أن روسيا تقف على أعتاب حرب ضروس للدفاع عن سيادتها المستعادة في العالم، بعدما كانت هذه مجتزأة في تسعينات القرن الماضي.
وقد انعكست السيادة الاقتصادية المقيّدة على السياسة الخارجية الروسية، حيث تم شطب روسيا من قائمة الدول العظمى. وتحوّل مجلس الأمن الدولي إلى ثلاثي تديره الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وعلى الرئيس الروسي الجديد أن يثبِّت سيادة بلده على الصعيد الدولي، أي الدخول في صراعات شرسة في سبيل الاستعادة الكاملة لدور روسيا كدولة عظمى.
وقد خصصت اعتمادات موازنة الأعوام الثلاثة المقبلة، على ضوء توقعات اقتصادية محسوبة، ولذلك ستسقط الحاجة، بحسب المراقبين، إلى «رئيس اقتصادي». بينما سيكون من الصعب التنبؤ بالحالة السياسية الخارجية، حيث الأمور هناك حبلى بالمفاجآت والمنعطفات.
فإذا اندلعت الحرب ضدّ ايران، فليس واضحاً ما إذا كانت واشنطن ستستخدم الأسلحة النووية فيها، وما إذا كانت إسرائيل ستتدخل إلى جانبها. لذا يجب، برأي الخبراء، أن يكون على رأس الدولة الروسية رجل مهيّأ لإمكانية تطور الأحداث على الصعيد الدولي وفق أبشع السيناريوهات.
وفي ضوء سباق التسلح، الذي يلوح في الآفاق، يؤكد الخبراء الروس على الحاجة الملحّة إلى «رئيس سيادي»، حيث سيكون على روسيا إحياء الصناعة العسكرية المتطورة، التي كان يمتلكها الاتحاد السوفياتي، وبدّدتها القيادات الروسية خلال 15 عاماً.
ويرى المراقبون أن هذه الحاجة مرتبطة أيضاً بتبدل جيل الرؤساء في أوروبا، حيث ذهب غيرهارد شرودر وجاك شيراك، اللذان كانا مع بوتين يقومان أحياناً بالحدّ من «طيش بوش». في حين أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لا يفيضان بالودّ لروسيا.
في هذا السياق، يجدر القول إن إيفانوف ليس «السيادي» الوحيد في الميدان، ومن الممكن ظهور شخص غير متوقع يدفعه بوتين إلى الواجهة.
وبحسب هذا السيناريو، لا يجب إسقاط نائب رئيس مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي ألكسندر تورشين، الذي زار لبنان أخيراً، من الحسبان، ولا سيما أنه خرج أيضاً من عباءة الاستخبارات الروسية.
وعلى أي حال، يبدو أن موسكو لن تنتظر مجيء الرئيس الجديد لإيقاف التراجعات التكتيكية، التي تضطر إلى اللجوء إليها، والتي ضاق بها ذرعاً قاطنو الكرملين، حيث يتعرض أداء الخارجية الروسية إلى انتقادات حادة. ويدور الحديث في الكواليس السياسية الروسية حول الحاجة إلى إجراء تغييرات في الخارجية، وأنه آن الأوان لإيجاد «مولوتوف جديد» (بالإشارة الى وزير الخارجية السوفياتية في عهدي الزعيمين ستالين وخروتشـوف)، يضرب طاولة المفاوضات بقبضة يده دفاعاً عن مصالح موسكو على الصعيد الدولي.