بغداد ــ الأخبار
ينتشر في بعض الأوساط السنية العراقية اعتقاد راسخ بأن العراق يعاني احتلالاً ثلاثي الأبعاد، يعمل معاً على تحفيز الحرب المذهبية المستعرة فيه منذ سقوطه في براثن القوات الأميركية. وهي ترى وجود «أيد غريبة» تسعى للحؤول دون قيامة جديدة لبلاد الرافدين، مستندةً ف ي تحليلها إلى تفجير مرقد الإمامين العسكريّين الشيعيّين في سامرّاء وتفجير مسجد الكيلاني السنّي

أثار التفجير الذي استهدف «الحضرة الكيلانية» في وسط بغداد الاثنين الماضي، تناوباً في الاتهامات عن مسؤولية الحادث الذي تسبّب بمقتل 24 عراقياً وجرح أكثر من 90 آخرين، إضافة إلى إلحاق أضرار جسيمة بمرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني، الذي يُعدّ من المزارات المهمّة للطائفة السنّية في العراق وأنحاء عديدة من العالمومثلما حصل في تفجير مرقدي سامرّاء في شهر شباط من العام الماضي، الذي أدّى إلى مقتل نحو 130 عراقيّاً، لم تعلن أيّ جهة مسؤوليّتها عن تفجير الحضرة الكيلانية، إلّا أنّ سياسيّين سنة وجهوا أصابع الاتهام إلى جهتين رئيستين: تنظيم «القاعدة» والاستخبارات الإيرانية، إلى جانب اتّهام قوّات الاحتلال بوقوفها وراء كلّ ما يحدث من تخريب ودمار واقتتال طائفي في بلاد الرافدين.
وتنتشر في بعض الأوساط العراقية قناعة بأن العراق يعاني احتلالاً ثلاثي الأبعاد، محاوره الولايات المتّحدة وإيران و«القاعدة»، التي يُعتقد بأنها تتنافس في ما بينها في بعض الأحيان، لكن أعمالها تبدو، في أحيان أخرى، منسقة على قاعدة أن المصلحة تجمعها في أن تبقى بلاد الرافدين بؤرة احتراب.
ويرى مصدر سياسي كردي أنّ تنظيم «القاعدة» موجود في العراق منذ عهد الرئيس الراحل صدّام حسين، وتحديداً بعد الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، مشيراً إلى أنّ هذا الوجود تركّز بشكل أساسي في منطقة حلبجة، التابعة لمحافظة السليمانية، وخصوصاً في قرى الجيب الحدودي الذي يمتدّ في داخل إيران، حيث منطقة «بيارة وطويلة»، وحيث تتمركز قوى جماعة «أنصار الإسلام».
وبحسب المصدر نفسه، فإنّ زعيم «القاعدة» السابق في العراق أبو مصعب الزرقاوي، الذي قضى في عمليّة عسكريّة في بعقوبة في حزيران عام 2006، دخل ومجموعة من أتباعه إلى العراق وأقاموا في تلك المناطق، عبر الأراضي الايرانية، بعلم ومساعدة ربما من الأجهزة الاستخبارية الإيرانية، وحتى الأميركية.
وأوضح المصدر أنّه «بحسب المعلومات المتوافرة لدينا»، فإنّ المعسكر الذي كان يقيم فيه الزرقاوي في أفغانستان، والذي يُطلق عليه اسم «معسكر الشاميّين»، لم يتعرّض للقصف إبّان المعارك، إلى حد يمكن اتهام الأميركيين بتحييده، وتمكّن الزعيم الإسلامي المتطرّف من الإفلات والتسرّب إلى مناطق «بيارة وطويلة» في جبال كردستان، ما يؤشر إلى نية نقل الحرب من أفغانستان إلى العراق.
وتلاحظ الأوساط العراقية نفسها ترابط الخيوط بين تفجيري سامرّاء والكيلاني؛ فالاثنين لم ينفّذهما انتحاريّان، وعمليّة سامرّاء بشكل خاصّ نُفّذت بخبرة تقنية عالية، وامتّد التحضير لها فترة زمنية طويلة. كما أنّ عمليّة الكيلاني وقعت في قلب الطوق الأمني للقوّات العراقية والأميركية ما قد يؤكّد وجود اختراق او تواطؤ أمني.
كما تعتقد هذه الأوساط، مدعومة باتهامات أميركيّة، بوجود علاقات غير مباشرة بين الجماعات المسلّحة المتشدّدة «السنيّة» وأجهزة المخابرات الإيرانية، تدفعها إلى ذلك الإعلانات المتكررة عن اكتشاف أسلحة إيرانية الصنع لدى مداهمة مخازنها، وهو ما لم تنفه تلك الجماعات، مشيرة إلى أنها تعمد إلى «التسلّح من أيّ جهة كانت» بحجّة «مواصلة مقاتلة الاحتلال الأميركي».
وفي هذا الصدد، حمّل رئيس «التجمّع الجمهوري العراقي» سعد عاصم الجنابي، في تصريح صحافي، «تنظيم القاعدة و المخابرات الإيرانية مسؤولية ارتكاب هذه الأعمال الإرهابية»، واصفاً إيّاهما بأنّهما «وجهان لعملة واحدة»، وموضحاً أنّهما «بعدما فشلا سابقاً بتفكيك وحدة الشعب العراقي عند استهدافهما المراقد المقدّسة في سامراء، عادا اليوم لاستهداف رمز آخر من رموز العراق الدينية، نتيجة للضغوط التي دفعتهما للتفاوض مع الجانب الأميركي حول العراق».
ويشير الجنابي، الذي يقول إنّ «استخدام السيّارات المفخّخة هو صناعة غير عراقية»، إلى أنّ المسؤوليّة تقع بالدرجة الأولى على الأجهزة الأمنية العراقيّة، مستغرباً «صمت عدد من القادة السياسيين والحكوميين إزاء ما يجري من خلال ممارسة ضغوط سياسية يكون ضحيّتها الشعب العراقي، وذلك سعياً لإرضاء دول أخرى على حساب مصلحة العراق، بغية تحقيق مكاسب ومآرب شخصية».
أما «ديوان الوقف الشيعي» فقد استنكر من جهته عملية استهداف مرقد الكيلاني، وقال رئيسه الشيخ صالح الحيدري إنّ «ما قامت به زمرة ضالّة من استهداف لرمز من رموز الإسلام، إنّما هو عملية إجرامية مستنكرة من جميع الطوائف»، مضيفاً إنّ «عملية استهداف مرقد الكيلاني تأتي ضمن مسلسل إجرامي، الهدف منه إثارة النعرة الطائفية، كما حصل عندما تم استهداف المرقدين العسكريين (في سامرّاء)»، لذا يشير إلى أنّ «الأيدي التي قامت بتفجير الشيخ الكيلاني هي نفسها التي قامت بتفجيرات سامراء».
ويتابع الحيدري إنّ «من قام بهذه الأعمال هم التكفيريّون، الذين لايؤمنون بالأئمّة والرموز الإسلامية»، مستبعداً قيام «مجموعات جاءت من إيران بتنفيذ مثل هذه الأعمال»، وموضحاً أنّ مجلس الوقف «طالب مجلس الوزراء بتعزيز الإجراءات الأمنية لحماية المراقد الاسلامية في العراق، لأنّ هناك تهديدات صريحة باستهدافها».
إلى ذلك، وفي إطار ردود الفعل المندّدة بالتفجير، دعا نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي أبناء شعبه الى «التحلّي بالحكمة ورصّ الصفوف وتوحيد الجهود بعيداً عن الموقف المتشنج والخطاب الطائفي الفئوي».
وقال بيان لمكتب الهاشمي أوّل من أمس «مرة أخرى تقدم الفئة الضالّة المجرمة على استهداف دور العلم والعبادة غير آبهة بحرمة تلك الأماكن»، مضيفاً إنّ «ما جرى من استهداف للحضرة القادرية يعكس وبوضوح حجم المؤامرة التي تحاك ضد أبناء الشعب العراقي ومحاولة بث الفرقة والفتنة بينهم».
ويشير البيان إلى أنّ «الأيادي التي جرؤت على استهداف هذا المرقد هي نفسها تلك الخبيثة التي امتدّت بالسوء والتخريب إلى مرقد الإمامين العسكريّين في سامراء، وتحت الأهداف الشرّيرة نفسها والمخطّط الخبيث الذي يغذّي إرهاباً أعمى لا يفرّق بين دين أو مذهب أو طائفة».