بول الأشقر
توسعت دائرة الاحتجاجات الطلابية على إقفال القناة التلفزيونية «أر.سي.تي.في» في فنزويلا، حيث طالب المتظاهرون اول من امس بالإفراج عن زملائهم الذين اعتقلوا، والذين قدرت اوساط المعارضة عددهم بمئتي قاصر، فيما أعلنت الشرطة أنه لم يبق إلا أربعون معتقلاً وأنها أفرجت عن كل القاصرين.
ودعا الرئيس هوغو تشافيز أهالي الطلاب إلى التنبه لمحاولات المعارضة استعمال أولادهم «حطباً في النار التي تريد إضرامه»، وأنصاره، لا سيما في الأحياء الفقيرة التي سمّاها بالاسم، إلى تظاهرة كبيرة قد تجري يوم غد السبت.
في هذا الوقت، أحالت الحكومة الفنزويلية إلى المحاكم اشرطة التلفزيون المعارض «غلوبوفيزيون» وشبكة «سي.إن.إن» بالإسبانية، والتي تضمنت صوراً لقمع تظاهرات في المكسيك عرضت على انها في فنزويلا، وملصقات تجمع بين صورة لتشافيز وصورة لزعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن، إضافة إلى مشاهد عن محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني. ورأى تشافيز ذلك «بثاً مشبوهاً لتعميم الفوضى وتحريضاً على اغتياله».
من جهة أخرى، طالب مرشح المعارضة المهزوم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مانويل روزاليس، الرئيس تشافيز بالمبادرة إلى تنظيم استفتاء حول صوابية إقفال التلفزيون.
ويحاول تشافيز استعادة المبادرة في هذه المسألة الإعلامية، حيث من المرجح أن ينجح بذلك في الأيام المقبلة. غير أن الأمور سارت هذا الأسبوع بغير ما كان يتوقعه عندما قرر «عدم تجديد رخصة بث» التلفزيون المعارض، التي انتهت مهلتها الأحد، وهو ما أجبره على مواجهة أول تحرك طلابي منذ تسلّمه السلطة.
وقد انطلقت الحركة من كليات الإعلام، بعدما نجحت في تحويل عملية توقف المحطة عن البث إلى عدّ عكسي مؤثر. وبعد ذلك، امتدت إلى جامعات أخرى.
اما قرار إلاقفال، الذي أراده تشافيز إثباتاً على تغيير موازين القوى في قطاع عارضه بشراسة منذ وصوله إلى السلطة، وبنداً من ضمن برنامج متكامل لتغيير طبيعة الهيمنة فيه، فلا غبار على شرعيته. غير أن مشكلته في أنه لا يسوّق عالمياً، والأنكى أنه لم يقنع مريديه.
وفي هذا الاطار، أسرّ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إلى أقرب معاونيه، مع أن موقفه الرسمي هو عدم التدخل بشؤون الآخرين، بأن «حليفه أخطأ بالتوقيت: إن كان تلفزيوناً انقلابياً، كان يجب إقفاله بعد فشل الانقلاب. أما عدم تجديد الرخصة فيبدو، أيّاً كانت تبريراته الشرعية، عملاً قمعيّاً وانتقاميّاً».
ويشير استطلاع رأي صدر الأسبوع الماضي في كاراكاس، إلى أن 60 في المئة من الفنزويليين يؤيدون تشافيز، وأن 75 في المئة منهم يعارضون إقفال الـ «إر.سي.تي.في». هذا يعني أن التلفزيون المعارض لم يقنع إلا أقلية من الفنزويليين بآرائه السياسية المعادية لتشافيز، لكنه يعني أيضاً، أن أكثر من نصف أنصار تشافيز كانوا يستمتعون ببرامج هذا التلفزيون الترفيهية على الأرجح، فهو أكبر منتج للمسلسلات (العاطفية) ولم يتفهموا مبررات قرار زعيمهم. لذلك لا يستطيع تشافيز اللجوء إلى الاستفتاء هذه المرة.
ومن المرجح أن القرار «الشرعي» قد أفقده جزءاً كان محايداً إزاءه من الطبقات الوسطى، وربما بعض أنصاره الفقراء هم من مشاهدي «أر ــــــ سي ــــــ تي ــــــ في» ورأوا في القرار تعدياً مجانياً على برامجهم الترفيهية وعلى ذاكرتهم، إذ كما قال أحدهم «كنّا نحضر هذه البرامج ولما يكن تشافيز قد ولد».
ولا تبدو التعددية مهددة في فنزويلا في هذه المرحلة، ولا تزال أكثرية وسائل الإعلام المكتوبة والإذاعية والبصرية معارضة ومستقلة. وقد تعود الأمور الآن إلى مجاريها الطبيعية، لكن قرار إقفال التلفزيون ترك فراغاً ترفيهيّاً ستحاول قناة القطاع العام الجديدة تعويضه. وإن لم تنجح في ذلك، فقد يخسر تشافيز معركة المشاهدين، وقد يكون لهذه الأخيرة نتائج سياسية من الصعب تحديدها منذ الآن.