إيلي شلهوب
طهران تستعجل الحرب، وواشنطن تستعجل تجهيز ساحتها، بدعم من دول الاعتدال العربي، وفي مقدمتها السعودية، التي تستعجل التسوية السلمية مع إسرائيل. معادلة تدفع كثيراً من المؤشرات إلى التوصل إليها، رغم وجود معطيات حمّالة أوجه.
تدرك إيران، على سبيل المثال، أن هناك صعوبة كبيرة في أن يقبل بها الغرب عضواً في النادي النووي، أو بدورها الإقليمي. تقدّر أن الوضع لمصلحتها: المستنقع العراقي يُغرق القوات الأميركية. حزب الله منيع في وجه إسرائيل. سوريا تجهز قواتها. أفغانستان عاصية على السيطرة. تحولات في واشنطن، بلغت قبة الكونغرس، معادية للحرب وتطالب بإعادة القوات.
كلها معطيات تدفع إيران، البراغماتية بطبيعتها، إلى الاقتناع بأن هذا هو الوقت المناسب لخوض المعركة الحاسمة، إن كان لا بد منها؛ الرفض الدائم للحوافز الغربية، مع ما فيها من مغريات. سياسة حافة الهاوية. اللهجة المتصلبة. المناورات شبه المستمرة. المشاكسة في العراق... وحتى أسر البحارة البريطانيين، جميعها مؤشرات إلى هذا التوجه.
أما الولايات المتحدة فيبدو واضحاً أنها في حالة تخبط داخلي. رئيسها الجمهوري يخوض مواجهة مع كونغرس ديموقراطي. إدارتها منقسمة على نفسها، بين صقور، ضعف نفوذهم، يقودهم نائب الرئيس ديك تشيني، وفريق بقيادة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، التي يبدو أنها تباولنت (نسبة إلى كولن باول). انقسام ترجمته العملية في المنطقة تعزيز للقوات في العراق وللأساطيل في الخليج. حروب أمنية، تمتد من أربيل إلى بغداد واسطنبول وشط العرب... في مقابل حوار مع المقاومة العراقية. حوافز وعروض تفاوض لطهران. «انفتاح» أميركي على دمشق. تفعيل لجهود التسوية السلمية.
كلها جهود تصب في الاتجاه نفسه: إما تحقيق المصالح الأميركية بالطرق الدبلوماسية، وإما عبر حرب، تعمل جميعها على تمهيد الساحة لها. معركة لا بد من شنها قبل أيلول المقبل؛ فالشتاء الإيراني القارس يجعل أراضي «إمبراطورية الفرس» عصية، وحلول العام الجديد يدخل الولايات المتحدة في دوامة المعركة الانتخابية الرئاسية.
دور السعودية محوري في هذا الشأن. نشاطها الدبلوماسي «الزائد» خلال الأشهر الماضية خير دليل عليه. حركة الأمير بندر أبرز مؤشر على اتجاهه. خطاب الملك عبد الله في قمة الرياض لا يخرج عن هذا السياق (رغم التسريبات عن استياء سعودي من إدارة بوش ومحاولة العائلة المالكة إبعاد نفسها عنه، بدليل إلغاء الملك حفل عشاء في البيت الأبيض). إصراره على أن يكون بندر ضمن الوفد السعودي إلى القمة لم يكن عبثياً. محاولات الاستيضاح الأميركية لفحوى كلامه ليست سوى فقاعة في الهواء.
يبدو واضحاً أن الرياض مكلفة أميركياً بإدارة الدفة العربية نحو شاطئ التسوية مع إسرائيل. مركب، ركابه «معتدلون»، لا يمكنها قيادته من دون مشروعية عربية، لن تتمكن من الحصول عليها إلا بتحييد نفسها، إعلامياً، عن واشنطن. قيادة تستوجب «عدة» جديدة، تعوض وقوف السعودية ضد «مغامرة» حزب الله في 12 تموز الماضي؛ تعطي الانطباع بأن أباطرة النفط يعانون الأرق جراء مآسي المنطقة؛ اتفاق مكة وزيارة نجاد ومغازلة الأسد جزء من هذه المسرحية، التي نشهد أحد فصولها في لبنان.
قد يكون هذا السيناريو خيالياً، لكنه بالتأكيد «خيال غير علمي».