strong>موسكو ــ حبيب فوعاني
مبادرة رئيس مجلس الاتحاد الروسي (الشيوخ) سيرغي ميرونوف لتعديل الدستور من أجل السماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالترشّح لولاياة ثالثة، ليست جديدة على الساحة السياسية الروسية، إلا أن لها مدلولات باعتبارها صادرة عن ميرونوف نفسه، بحكم علاقة هذا الأخير الوثيقة بالكرملين

اقتراح رئيس مجلس الاتحاد الروسي يوم الجمعة الماضي تعديل الدستور الروسي، الذي يمنع تولي الرئيس الحكم أكثر من فترتين رئاسيتين متتاليتين، وكذلك تمديد الولاية الرئاسية من أربعة أعوام، كما هو الأمر حالياً، إلى سبعة أعوام، يثير الكثير من علامات الاستفهام، ولاسيما أنها جاءت فور انتخابه للمرة الثالثة رئيساً لمجلس الاتحاد، الذي لم يتميز في عهده سوى في أنه أصبح أداة طيّعة بيد الكرملين للمصادقة على أي قوانين يقترحها مجلس الدوما.
ولم يتميّز نشاط ميرونوف في منصبه سوى بالتعبير عن الولاء الشخصي وأحياناً الكاريكاتوري للرئيس الروسي. وقد فشلت خطة الكرملين في خلق ثقل سياسي موازٍ لحزب السلطة اليميني «روسيا الموحدة»، بإنشاء حزب ذي صبغة يسارية برئاسة ميرونوف، إذ لم يفز هذا الحزب، الذي يحمل اسم «روسيا العادلة»، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة سوى في إقليم واحد رغم الدعم الحكومي الهائل.
وليست هذه المرة الأولى، التي يتقدم فيها ميرونوف بمبادراته؛ فقد تقدّم بمبادرة مماثلة عام 2001. وكان سياسيون روس كثيرون قد دعوا بوتين، ربما لشعبيته الكبيرة، إلى ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثالثة، ومن هؤلاء: رئيس الاتحاد السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، وسكرتير الدولة الاتحادية الروسية البيلاروسية بافل بورودين، وزعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي الروسي نائب رئيس مجلس الدوما فلاديمير جيرينوفسكي؛ كذلك أعربت محافظة مدينة سانت بطرسبورغ، فالينتينا ماتفيينكو، عن تمنياتها في أن يرشح بوتين نفسه لفترة رئاسة ثالثة. وتقدّم عدد من المجالس التشريعية المحلية في عدد من الأقاليم الروسية أيضاً باقتراحات تدعو إلى زيادة مدة ولاية الرئيس الروسي من 4 إلى 7 أعوام أو إلى تعديل المادة التي تقيّد ذلك في الدستور الروسي.
لكن توقيت دعوة ميرونوف هذه قبيل الانتخابات البرلمانية في نهاية هذا العام والانتخابات الرئاسية في بداية العام المقبل فجر الوضع السياسي في روسيا. ويميل المراقبون إلى الاعتقاد أن دعوة ميرونوف هذه المرة تعبّر عن رأي دوائر معينة في الكرملين تريد إقناع بوتين بالترشح لفترة رئاسية ثالثة أو بتمديد ولايته.
ويرى رئيس الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف أن «ميرونوف، زعيم الحزب الذي تم طبخه على عجل أخيراً، والذي لا قضايا له، يريد لفت أنظار الرأي العام بمثل هذه المبادرات الشعبية». وأضاف إن «مثل هذه الأفكار يطرحها من خلال ميرونوف الراغبون في ولاية رئاسية ثالثة لرئيس الدولة لاختبار الرأي العام ومحاولة جس نبضه»، معتبرا أن المطالبن بالتعديل يريدون إعطاء صلاحيات إضافية للرئيس «رغم أن رئيسنا يتمتع بصلاحيات أكثر من الفراعنة أو القياصرة».
ولم يستبعد زيوغانوف حصول بوتين على حق دستوري للبقاء في الحكم لفترة رئاسية ثالثة.
وقال زيوغانوف إن حزب «روسيا الموحدة»، الموالي لبوتين، يتمتع بأكثر من 300 صوت في مجلس الدوما، ولهذا فإنه يستطيع تغيير أي مادة في الدستور. وأضاف إن «الخليفة المحتمل للرئيس بوتين حالياً هو بوتين نفسه».
ويعتقد المراقبون أن الراغبين في التمديد لبوتين ينتمون إلى «مجموعة بطرسبورغ الأمنية» المقرّبة من الرئيس.
ويرى خبير «صندوق غورباتشوف»، أندريه ريابوف، أن هؤلاء «السياديين» لا يثقون بإمكان محافظتهم على مواقعهم في حال مغادرة بوتين. فيما أعلن رئيس مجلس الدوما الروسي بوريس غريزلوف عن رفضه لاقتراح ميرونوف وشدد على أن حزب «روسيا الموحدة» الموالي للكرملين، الذي يتزعمه غريزلوف، ويتمتع بالغالبية البرلمانية في مجلس الدوما، سيدافع عن الدستور.
ويُعدّ غريزلوف برأي ريابوف من المقربين إلى «مجموعة بطرسبورغ الحقوقية»، التي ترى في الحقوقي والنائب الأول لرئيس الوزراء دميتري مدفيديف وريثاً لبوتين، ولا سيما أنه استعرض «ليبراليته» بنجاح أخيراً في مداخلاته أمام القاعة الغربية في منتدى دافوس الاقتصادي.
أما بالنسبة إلى موقف بوتين، الذي أكد سابقاً أنه لا يحق له مخالفة القانون وترشيح نفسه لفترة رئاسة ثالثة عام 2008، فقد أعلن ناطق باسم الكرملين وبسرعة أن «الرئيس صرّح غير مرة في شأن هذه المواضيع ولا تبديل في موقفه». وقال مصدر في الإدارة الرئاسية لصحيفة «كوميرسانت» إن «موقف الكرملين من الولاية الثالثة قد اتخذ منذ وقت طويل، ومن المستحيل إقناع بوتين بالبقاء».
بيد أن السرعة التي تعامل بها المكتب الصحافي للكرملين مع الحدث تدل على أنه كان على علم مسبق بمبادرة رئيس مجلس الاتحاد. وحتى موقف بوتين نفسه لا يبدو «من دون تبديل»، ولا سيما أنه لم يعد يردد عبارات مثل «لن تكون ولاية ثالثة أبداً»، بل أصبح يتكلم عن التزامه الدستور، الذي يمكن في روسيا تعديله بسهولة وبطلب شكلي من المواطنين.
ويرى خبراء هدفاً آخر محتملاً لمناقشة التعديلات المحتملة للدستور. ويعتقد رئيس المعهد الاستراتيجي القومي ستانيسلاف بيلكوفسكي أن بوتين يريد في نهاية حكمه أن «لا يبدو بطة عرجاء في نظر البيروقراطية» الروسية، التي «أصبحت لا تخضع الآن إلى حد كبير لسيطرة بوتين».
لذا يريد الكرملين، برأيه، الحفاظ على سيطرته على الأوضاع، وأن تشعر النخبة بأن فلاديمير بوتين يمكن أن يبقى. ويؤكد ذلك قول ميرونوف نفسه إن «القرار النهائي يبقى بيد الرئيس».
وربما لا يريد بوتين أن يبدو «بطة عرجاء» أمام الغرب أيضاً، وخصوصاً بعد الهجمات الشرسة، التي يتعرض لها في وسائل الإعلام الغربية في المدة الأخيرة، وبعدما بدأ «الليبراليون» الروس المموَلون من المنظمات الغربية غير الحكومية، وفي مقدمتهم لاعب الشطرنج الدولي هاري كاسباروف، بالدعوة إلى تقديم بوتين إلى المحاكمة في لاهاي عن الشيشان.
وقد أعرب بوتين نفسه في آخر مرة تطرق فيها إلى مصيره السياسي بعد عام 2008 في مؤتمره الصحافي الموسع في 1 شباط الماضي، عن رغبته في استمرار نهجه في تعزيز مكانة روسيا الدولية وتقوية اقتصادها داخلياً والحفاظ على أكبر قدر ممكن من الاستقرار النسبي فيها، لا فرق إن بقي في الحكم أم غادره.