موسكو ــ حبيب فوعاني
يبدو أنّ موقف الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو أصبح أكثر حرجاً بعد قراره حلّ البرلمان كمخرج للأزمة، منه قبله؛ فصراع الحكم الذي أثقل عليه عبء إدارة البلاد منذ انتخاب فيكتور يانوكوفيتش رئيساً للحكومة عام 2005، لم ينته بعد القرار الصعب الذي اتّخذه، لا بل عقّد الأمور ليقحم البلاد في مجهول لا تريد موسكو ولا حتّى واشنطن خوض مغامراته الخطرة.
ولم يلغ النائب الأوّل لوزير الخارجية الروسي أندريه دنيسوف مؤتمره الصحافي، الذي كان مخصّصاً لتقويم زيارة يوتشينكو التي كانت مقرّرة إلى موسكو، بل تحوّل للتعليق على خطوة الرئيس الأوكراني «الشمشونيّة»، وإصداره المرسوم بحل البرلمان الذي كان برأي دنيسوف «مفاجأة للجميع».
وفيما أعرب عن تفهّمه عزم رئيس الحكومة الأوكرانيّة فيكتور يانوكوفيتش الوصول إلى حلول وسط، رأى دنيسوف أنّ «الوضع معقدٌ» ومرسوم يوتشينكو «ليس من دون عيوب».
ودعا الدبلوماسي الروسي إلى انتظار قرار المحكمة الدستورية الأوكرانية بشأن شرعية المرسوم الرئاسي، وعبّر عن استعداد روسيا للتوسّط في حل النزاع بين الفرقاء في كييف والقيام بكلّ ما يؤدّي إلى النجاح في ذلك، «بمجرد أن يطلب الأوكرانيون ذلك»، إلّا أنّه أضاف إنّه «من المبكر الحديث عن وصول إشارات بهذا الشأن من العاصمة الأوكرانية».
غير أن الأحداث تتسارع في أوكرانيا، وتشبه المواجهة الحالية بين يوتشينكو ومجلس النوّاب (الرادا) تلك التي كانت في موسكو عام 1993 بين الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين من جهة، والبرلمان الروسي من جهة أخرى وانتهت بإطلاق النار من مدافع الدبابات على البرلمان.
والسؤال الآن هو من سيجرؤ من الطرفين في أوكرانيا على استخدام السلاح،ولا سيّما أنّ الجيش يقع تحت سيطرة يوتشينكو وتقع الشرطة تحت قيادة وزير الداخلية الاشتراكي والحكومة بالتالي؟
فبحسب صحيفة «إزفيستيا» الأوكرانيّة، يتجمّع نحو 165 ألفاً من أنصار يانوكوفيتش مسلّحين بالسكاكين والفؤوس أمام مبنى «الرادا»، ناصبين هناك نحو 200 خيمة للدفاع عن البرلمان في حالة الهجوم عليه، واحتلوا أيضاً «ميدان الاستقلال» وهو المكان المحبّب لتجمّع «البرتقاليين» (أنصار الثورة البرتقاليّة).
وقرار حلّ «الرادا» خطير على يوتشينكو نفسه، إذ إنّه بهذه الخطوة، وضع مستقبله السياسي في مهب الريح، حيث يُستبعد أن يحصل حزبه «أوكرانيا بلدنا» على نسبة 4 في المئة من أصوات الناخبين الضرورية لدخول البرلمان، وربما لذلك قام بمحاولة أخيرة لإنقاذ الوضع عبر الكرملين، وتكلّم مطولاً بالهاتف مساء الاثنين الماضي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويبدو أنّ موسكو تعبت من مساندة السياسيّين الأوكرانيين في أوضاعهم الحرجة لأنّهم، بعد خروجهم من مآزقهم يصبحون من «الغيارى» على المصالح الأوكرانية من الجار الشرقي، حيث كان الأمر كذلك مع الرئيس السابق ليونيد كوتشما، الذي فاز في الانتخابات بدعم من موسكو، وغادر الحكم ولم يف بأيّ وعد لها.
أما الآن، فتقوم موسكو باللعب مع دول رابطة الدول المستقلّة على الطريقة الرأسمالية، وتمسك بـ«ورقة» الغاز بإحكام، ولا تهتم بالسيرة الذاتية لأي رئيس حالي أو مقبل في أي بلد منها.
من جهته، ومع أنه لا يخفي انحيازه إلى «الأميرة البرتقالية» يوليا تيموشينكو، وعدم انبهاره بحكومة يانوكوفيتش، يدرك الجانب الأميركي أنّ حلّ البرلمان يمكن أن يؤدّي إلى خروج الوضع عن السيطرة وانقسام أوكرانيا نهائياً إلى شرقية مؤيّدة لموسكو وأخرى غربية مؤيّدة للغرب.
وأدلى السفير الأميركي في كييف ويليام تيلور، قبيل قرار حلّ البرلمان بتصريح حاد، أشار فيه إلى «أننا نصرّ على أن حلّ الخلاف يجب أن يتمّ في إطار الدستور، الذي يعطي جميع الحلول لتسوية الوضع»، مضيفاً إنّه «يجب تحمّل المسؤولية عما يجري. الديموقراطية أمر صعب. لكننا نريد تشجيع مسار التفاوض».