معمر عطوي
كانت «الهدية» الايرانية، التي قدّمها الرئيس محمود احمدي نجاد الى الشعب البريطاني بإعلانه الإفراج عن الجنود البحارة الـ 15، سوى مفاجأة تحمل الكثير من الدلالات، التي تصبّ في مصلحة التحليلات المكثفة هذه الايام، حول مناخات الحرب المتوقعة على ايران.
يطرح اطلاق البحارة خلال فترة لم تتجاوز اسبوعين من اعتقالهم تساؤلات عديدة عن التوقيت والاهداف، تقود نحو مجالات الاستفادة التي استطاعت ايران من خلالها توظيف هذه القضية لمصلحتها.
استطاعت ايران من خلال مناسبة دينية هي المولد النبوي واسبوع الوحدة الاسلامية، توجيه اشارة ذات طابع رسالي تبشيري بحت، من خلال الاصرار على ان الاطلاق هو بمثابة «هدية من شعب ايران الى الشعب البريــطانـــي» بمقتضــــى «الرحــــمة الاسلاميــة».
وفي الوقت عينه، حاول نجاد الايحاء بأن هذه الخطوة لا تعني إطلاقاً حصول خطأ من الجانب الايراني، اجبره على اتخاذ هذا القرار، وذلك بتقليده قائد البحرية ابا القاسم امنغا وساماً لاحتجازه البحارة.
اطلق نجاد حملة دعائية اراد من خلالها اثارة اكثر من تساؤل في الرأي العام البريطاني، منها استهجانه اسناد مهمة قتالية صعبة الى «سيدة ام»، هي فاي تورني. اضافة الى اسئلة تحريضية عن مغزى وجود القوات البريطانية في الخليج، بما يشبه نقل المعركة إلى ساحة المهاجم وتوسيع الهوة بين السلطة البريطانية والشعب.
من خلال هذه الاشارات، يمكن القول إن الرئيس الايراني استطاع الى حد ما خوض جزء من المعركة الاعلامية، التي قد يقطف ثمارها في حال بدء الحرب عبر تحركات شعبية بريطانية وأوروبية معارضة لها. ولعل الموقف الاوروبي، الذي رأى في خطوة الاطلاق «بداية لمزيد من التعاون» مع ايران، يصب في هذا الاتجاه.
يمكن القول إن ايران نجحت في توظيف خطوات اخرى في هذه القضية، مثل إشراك تركيا وسوريا وقطر في الوساطات التي سبقت هذا الاطلاق. ولهذا الامر اشارات أيضاً مفادها أن طهران تعمل على دفع فواتير الى حليفتها التقليدية دمشق، في وقت تستقبل فيه هذه الاخيرة وفوداً غربية، هدفها غير المعلن هو محاولة تحييد سوريا في حال نشوب حرب في منطقة الخليج، لأن تورّط دمشق من شأنه ان يهدد امن اسرائيل ويشعل الجبهة الجنوبية اللبنانية، وبالتالي، ستنشأ حرب إقليمية قد تتعدى في تداعياتها الاهداف المرسومة لها.
وعلى الجانب التركي، يعوّل الجانب الايراني كثيراً على النظام الاسلامي «المعتدل» في انقرة، لعدم فتح اجوائه وأراضيه منطلقاً لخوض هذه الحرب. وفي الاتجاه نفسه يظهر التقارب الايراني ـــ القطري.
وفي وقت تدق فيه طبول الحرب على خلفية البرنامج النووي الايراني، تستعر حرب امنية خفية ظهرت بعض اشكالها من خلال اختفاء الجنرال الايراني المسؤول في الحرس الثوري السابق محمد علي اصغري في تركيا، اعقبها اختفاء عميل سابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي في جنوب ايران.
ويبدو أن قضية الدبلوماسيين الخمسة الذين اعتقلوا في شمال العراق الى جانب الدبلوماسي الذي اطلق منذ ايام في بغداد، لا تنفصل عن هذا السياق.
المفارقة التي يستحق التوقف عندها هي أن هذه المبادرة الايرانية، التي يمكن تسميتها اجراءً استباقياً «حسن النية» لحرب متوقع حدوثها بين لحظة واخرى، يتزامن مع نشاط متزايد في العراق لتيارات مقاومة تدعمها ايران، ضد الاحتلالين الاميركي والبريطاني، وهو ما يشير الى أن الجمهورية الاسلامية ليست بحاجة الى اوراق ابتزاز ضد الغرب ما دام ان الساحة العراقية يمكن ان تستخدم في هذه الحرب.