إيلي شلهوب
رياح تهبّ من الشرق تبشّر بفجر عالمي جديد، يعيد التوازن المعدوم إلى موازين القوى؛ تركيبة تحمل في ثناياها بذور الصدام مع الولايات المتحدة، لكنها بلا شك تحمل أملاً للباحث عن سند عالمي يقيه شرور أسياد البيت الأبيض.
مصدرها هذه المرة مجموعة من الدول كانت تعد، حتى وقت قريب، من ضمن العالم الثالث، في مقدمتها الصين والهند. تقديرات وردت في إطار تقرير نشر في مجلة «فوريين أفيرز» أخيراً، قد تكون خير معبّر عن توجه كهذا.
فبحسب التقرير المذكور، الذي يحاول تلمّس معالم «النظام العالمي الأجد»، فإن النمو السنوي في الدخل الوطني لكل من الهند والصين وروسيا والبرازيل سيتجاوز في العام 2010 مثيله في كل من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا. وفي العام 2025، سيتجاوز ضعف النمو السنوي لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G 7).
أما مجلس الاستخبارات الوطنية الأميركي فيتوقع أن يصبح الاقتصاد الصيني في العام 2025 الثاني، والاقتصاد الهندي الرابع، على المستوى العالمي.
هذا ويمتلك المارد الصيني حالياً أكثر من تريليون دولار احتياط نقد من العملات الأجنبية، فيما يخوض الفيل الهندي، بنجاح، غمار الصناعات العالية التقنية. كلتاهما دولتان نوويتان. وتعدان معاً نحو مليارين ونصف المليار نسمة.
ميزة هاتين الدولتين أنهما لا تزالان على هامش المؤسسات الدولية التي تتحكم بعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بمعنى أن وضعهما فيها لا يتناسب وحجم قوتهيما المتناميتين. مؤسسات (الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والـGATT وحلف شمالي الأطلسي) حددت على مدى العقود الماضية أطر اللعبة الدولية وقوانينها. واستخدمتها الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها، كأدوات للهيمنة وتحقيق مصالحها في أرجاء المعمورة.
أدوات حافظت عليها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ انتهاء الحرب الباردة. عملت على توسيعها (الـGATT أصبحت منظمة التجارة العالمية، وحلف شمالي الأطلسي امتد إلى أوروبا الشرقية...). كما أنشأت مؤسسات جديدة (مثل مجموعة السبع المؤلفة من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وكندا). الهدف كان ملء الفراغ الذي خلفته المنظومة السوفياتية. بل حاولت واشنطن استيعاب الصين (إدخالها في منظمة التجارة وزيادة حصتها في صندوق النقد) وتحسين علاقاتها مع الهند (الاعتراف بها دولة نووية ومحاولة حل صراعها مع باكستان حول كشمير).
11 أيلول 2001 كان تاريخاً مفصلياً. اعتمدت إدارة جورج بوش (ومحافظوها الجدد) مقاربة جديدة: مبدأ الاستباقية وأحادية التحرك والتخلي عن المنظمات غير المطواعة. زادت في اعتمادها على الأطلسي (أفغانستان) ومنظمة التجارة وصندوق النقد وتخلت عن الأمم المتحدة (حرب العراق). خطوات لا شك في أنها عززت المخاوف من محاولات الهيمنة الأميركية.
لكن الإدارة نفسها لم تغفل التهديدات المتنامية في الشرق: أعلنت في العام 2004 خطة، تكتمل في العام 2014، لإعادة نشر أكثر من 250 ألف جندي (موجودين حالياً في نحو 45 بلداً، ونصفهم تقريباً في ألمانيا وكوريا الجنوبية) في قواعد في الولايات المتحدة وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وأخرى لنقل مئات الدبلوماسيين من أوروبا إلى دول أخرى مثل الهند والصين.
ملامح صراع يسعى فريق داخل أروقة القرار الأميركية للحؤول دون أن يبلغ حد صدام، تستعد الصين له، بوسائل مختلفة، أبرزها تعزيز قوتها العسكرية وجبهتها الداخلية، ومحاولة إقامة مؤسسات عالمية بديلة (مثل منظمة شنغهاي وشراكة آسيا ــــ الهادئ).
وضع لا بد وأن يعيد التوازن إلى النظام العالمي؛ فهل يسعى العرب إلى الاستفادة منه، علماً بأن كلاً من الهند والصين عُرفتا بتعاطفهما مع القضايا العربية؟