القاهرة ـــ وائل عبد الفتاح
ماذا سيفعلون بهيكل؟ السؤال شغل الأوساط الصحافية والسياسية بعد الحوار الذي نشره روبرت فيسك يوم الأحد في صحيفة «الأندبندنت» البريطانية مع أشهر صحافيي مصر محمد حسنين هيكل، وخرج فيه للمرة الأولى عن أسلوبه المتوازن في نقد نظام الرئيس حسني مبارك.
النبرة الحادة التي تكلم بها هيكل بدت أنها نتيجة حميمية الجلسة وخروجها عن البروتوكولات الصحافية التقليدية مع فيسك في بيته.
فيسك كان يعرف أن كلام هيكل هو «نقد مدمّر». وقال «أستطيع أن أرى الرئيس المصري حسني مبارك وهو يقرأ الأندبندنت ويتنهد حين يصل إلى الفقرة التالية».
والفقرة التالية تتضمّن رأي هيكل في مبارك، إذ يقول «رئيسنا مبارك يعيش فى عالم خيالي فى شرم الشيخ. دعونا نواجه الواقع. هذا الرجل لم يتكيف أبداً مع السياسة. لقد دخل عالم السياسة عندما كان في الخامسة والخمسين بعدما جعله السادات نائباً للرئيس قبل اغتياله. مبارك كان طياراً بارعاً، ولكن أن تبدأ ممارسة السياسة وأنت في الخامسة والخمسين فذلك يتطلب الكثير من العمل. لقد كان حلمه الأصلي أن يصبح سفيراً وينضم إلى الإكسلنسات. الآن هو رئيس منذ 25 سنة، اقترب من الثمانين، ولا يزال عاجزاً عن تحمّل مسؤوليات الدولة».
هذه هي المرة الأولى التي يتحدّث فيها هيكل عن شخص الرئيس بنبرة هجومية. وهي ملاحظة لفتت انتباه فيسك، فذكّره أنه كان معتقلاً قبيل اغتيال السادات باعتباره «خطراً على الدولة، وعندما جاء الرئيس مبارك أطلق سراحه وكان هيكل يكيل المديح للرجل الذي ينتقده الآن». كان مبارك بالنسبة لهيكل، وعلى حد تعبير روبرت فيسك، «نوراً ساطعاً ورمزاً لمصر الجديدة».
ويردّ هيكل على الملاحظة قائلاً: «في ذلك الوقت تصورت أن مبارك قد تعلّم الدرس. تصورت أن وجوده إلى جانب السادات لحظة اغتياله سيجعله شاكراً بشكل ما، ولكن أكثر ما تعلمه في تلك الواقعة هو الأمن».
هيكل، الذي كان مستشار عبد الناصر، مهّد الجسر للرئيس السادات للسيطرة على السلطة في صراعه مع مجموعة موظفين في الدولة الناصرية سمّتهم أجهزة الإعلام وقتها «مراكز القوى»، لكنه ظل بعيداً عن مبارك. وانقطعت «شعرة معاوية» بين هيكل ونظام مبارك منذ اليوم الذي قال فيه خلال محاضرة في معرض الكتاب إن «السلطة شاخت على مقاعدها».
كان هذا أعلى درجة من النقد يوجهه الصحافي الذي يبدو أنه هوجم من الرجال المحيطين بالرئيس خوفاً من أن يحتل مقعد المستشار. وروجت هذه الأوساط أن هيكل يحلم بالدور وينتظره. واستمرت الأزمات في كل مرة يقترب فيها هيكل من نقد نظام مبارك. ورغم أنه «نقد من داخل الدولة»، كما وصفه نقاد هيكل، إلا أنه كان «مزعجاً» ووضعه في مرمى حملات صحافية عنيفة من كتيبة جنود مبارك في الصحافة المصرية.
المدهش أن هيكل يبدو قد تراجع عن فكرة «الاعتزال»، التي أعلنها قبل سنوات. وقرر أن يدخل على موجة معارضة النظام بمزاجها الحاد والحارق، فهو روى لروبرت فيسك أنه أطلق على مبارك اسم «لافاش كيري» (البقرة الضاحكة)، وهي ماركة جبنة فرنسية شهيرة على المستوى الشعبي. وفي الأصل هي التسمية الشائعة لمبارك حين كان نائباً للرئيس الذي طالته السخرية المصرية اللاذعة وهي تحاول أن توصّف دوره في السياسة المصرية أيام السادات.
اليوم هيكل يستخدمها وينسبها الى مخزون مصطلحاته الواسعة، فيما يعبر عن قرار ليس فقط بالسير مع التيار المعارض لمبارك ومشروع توريث الحكم، ولكن أيضاً بالخروج من الحكمة المعهودة في ظرف يسيطر عليه الاستقطاب الحاد. وهو ما جعل صحافة مبارك تخرج أسلحتها القديمة ضد «الأستاذ»، وهو اسم هيكل عند عشّاق مدرسته الصحافية.
وركّز فريق مبارك الهجوم على مسؤولية هيكل عن هزيمة حزيران 1967، ومحاولته الوقيعة بين النظام والجيش حين أعلن لروبرت فيسك أن «هذه هي المرة الأولى في تاريخ الدولة المصرية التي تتجاوز فيها ميزانية الشرطة ميزانية الجيش».
ورغم أن المعلومة موجودة في دراسات اقتصادية صادرة عن مراكز رسمية، إلا أن جيش مبارك الصحافي لعب بها للتحريض ضد هيكل بتهمة إهانة الجيش، وهي أول إشارات عقاب هيكل الذي يتوقعه البعض، بينما يراهن البعض الآخر على عقل لا يزال يعمل فى النظام وسيكتفي بالحرب الصحافية فقط. لكن المؤكد أن حرب الانتقام من هيكل هي موضع حوارات كواليس الحكم في مصر. وستخضع اتجاهات الرياح إلى المزاج الشخصي للرئيس، وهذا هو الشيء الوحيد المؤكد في القصة.