باريس ـــ بسّام الطيارة
يبلغ عدد المرشحين في انتخابات الرئاسة الفرنسية 12 مرشحاً، منهم من لا أمل له في تجاوز «عتبة تعويض المصاريف الانتخابية»، أي نسبة ٥ في المئة من الأصوات، ومع ذلك يترشح كي يكتسب حزبه أو التجمع الذي يقف وراءه شهرة إعلامية أو سياسية تسمح له بخوض الانتخابات النيابية أو على الأقل البلدية


تضم لائحة المرشحين للانتخابات الفرنسية أربعة أسماء لا يتجاوز مجموع نقاط حظوظ أصحابها الحد الأدنى: فريديريك نيهوس (١ في المئة)، ومرشح البلديات والحياة الريفية جيرارشيفاردي، ومرشح اليمين القومي فيليب دو فيليه، ومرشحة الحزب الشيوعي ماري جورج بوفيه. ومع ذلك فإن هؤلاء يحتلون مساحة إعلامية في الحملة الانتخابية مساوية للمرشحين الكبار.
ورغم أن وصولهم إلى الدور الثاني في حكم المستحيل، فإنهم يستقطبون انتباه الناخبين ويساهمون بطرح «مواضيع فرعية» تهم المواطن الفرنسي بنسب متفاوتة. وهم بطروحاتهم هذه يوجّهون المرشحين الآخرين ولو بطريقة غير مباشرة. ويرى خبراء الحياة السياسية الفرنسية أن في وجود «مرشحين فرعيين» إشارة مهمة إلى دينامية الحياة السياسية، ويعطون أمثلة على ذلك طروحات المدافعين عن البيئة أو «الخضر»، ويذكّرون كيف كان مرشحوهم في مطلع السبعينيات هامشيين وكيف كانت مواضيع اهتماماتهم تُعدّ فرعية إلى أن باتت اليوم أساسية في برامج جميع المرشحين.
ومن هنا، فإن طروحات المرشحين الصغار تمثّل بالنسبة للمتابعين للحياة السياسية الفرنسية إشارات لما يمكن أن تكون عليه اهتمامات المجتمع الفرنسي في السنوات المقبلة ودليلاً لتوجهاته.
نيهوس
فرديريك نيهوس (٣٩ سنة)، ممثل «جماعة الصيد والطبيعة والتقاليد الريفية»، من المرشحين الذين لا تتجاوز حظوظهم النقطة الواحدة في أحسن الأحوال، ومع ذلك فإنه محط اهتمام المرشحين الآخرين بسبب وزن «جماعات الضغط» التي تقف وراءه، وأهمها جمعيات «الصيادين»، وهي من أقوى اللوبيات في فرنسا والتي يلتقي ضمنها معظم شرائح المجتمع الفرنسي المؤثرة.
ومن المعروف أن نيهوس، الذي حصل على شهادة الصيد وهو في السادسة عشرة من عمره، مجاز في الاقتصاد وحائز شهادة عليا في «شؤون الدفاع الأوروبي». ويرى البعض أنه حتى وإن لم يحصل على نسبة مرتفعة من الأصوات بسبب حدة المعركة في الدورة الأولى، فإن تياره يمكن أن يكون له تأثير كبير في الدورة الثانية.
شيفاردي
جيرار شيفاردي (٥٧ سنة)، رئيس بلدية قرية صغيرة في الريف الفرنسي، وهو مدعوم من «حزب العمال» التروتسكي اليساري المتطرف. وقد قدّم نفسه في البداية «مرشح رؤساء بلديات فرنسا» قبل أن يغيّر شعاره بحكم قضائي بسبب دعوى أقامها عليه بعض رؤساء البلديات المنتمين لأحزاب أخرى.
وقبل أن ينطلق ليعمل في الحقل العام، كان شيفاردي حرَفياً في حقل العمارة، وبدأ حياته السياسية في الحزب الاشتراكي عام ١٩٧٣ قبل أن «يهجره» عام ٢٠٠٣ بسبب خلاف انتخابي.
ويرى أن الدفاع عن «دور الدولة في حماية المواطن» من أسس برنامجه الانتخابي، ولا يتردد البعض في الإشارة إليه بأنه «عامي»، نسبة إلى أنصار ثورة باريس عام ١٨٧١ المعروفة بالكومونة.
وقد عمل مع حزب العمال لإسقاط الدستور الأوروبي في استفتاء عام ٢٠٠٥، إذ يرى التروتسكيون أن الإرشادات الأوروبية تسهّل «اختراق القوانين الفرنسية» من التجمعات الصناعية والمالية الكبرى. ورغم تراجع تأثير التروتسكيين في أوساط الشباب، فإن ثمن أصوات حزب العمال سيكون غالياً جداً في الدورة الثانية، خصوصاً إذا استطاع شيفاردي أن يرفع نسبة أصواته.
بوفي
لا يمكن الحزب الشيوعي إلا أن يكون له مرشح للرئاسة، ولا يمكن إلا أن يكون مرشحُ الحزب الأمينَ العام ماري جورج بوفي (٥٧ سنة)، وهي في الوقت نفسه نائبة في البرلمان وعضو في مجلس بلدية مكان إقامتها. وقد كانت وزيرة الرياضة في حكومة ليونيل جوسبان.
ورغم أن آخر الاحصاءات لا تعطي بوفي أكثر من ٢ في المئة من نوايا التصويت، فإن هدف ترشيح ممثل للحزب الشيوعي يظل قياس مقدار قوته ليستطيع المطالبة بمقعد وزاري.
وقبل انطلاق الحملة، انصبّ عمل القوى التي تسمى «يسار اليسار» على الوصول إلى دمج جهود مختلف التيارات التي ترى إمكان التحالف في الدورة الثانية مع الحزب الاشتراكي. وقد قادت بوفي هذه الجهود في محاولة لجمع الخضر (دومينيك فوانيه) والتروتسكيين (أوليفيه بوزانسونو) ومناهضي العولمة (جوزيه بوفيه) ضمن خط واحد يخوض الانتخابات بمرشح واحد للدورة الأولى يستطيع فرض بعض الشروط على «الأخ الأكبر» الحزب الاشتراكي. وقد فشلت هذه المحاولات وانطلق كل في طريقه منفرداً.
ويضع البعض اللوم على بوفي في فشل هذا التحالف، إذ إنها رفضت مرشح تسوية حتى من الحزب الشيوعي وأصرت على أن تكون هي المرشحة.

دو فيليه
فيليب دو فيليه (٥٨ سنة) ترشّح عام ١٩٩٥ وحصل على 4.7 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى، أي أقل من النسبة التي تسمح له باسترداد مصاريف الحملة الانتخابية، وهو ما قاد إلى إفلاس حزبه «الحركة من أجل فرنسا» اليميني المتطرف. عمل سابقاً محافظاً منتدباً من الحكومة في مقاطعات عديدة قبل أن يستقيل من السلك عام ١٩٨١ مع وصول فرانسوا ميتران إلى الحكم، مبرراً ذلك برفضه «العمل تحت سلطة شيوعية».
تقدم بعدها إلى الانتخابات في مقاطعة «فانديه» التي ولد فيها والتي يترأس مجلس حكمها. وقد بدأ حياته السياسية بتبني مطالب متأصلة في المقاطعة وتعود إلى الثورة الفرنسية؛ إذ إن مقاطعة الفانديه كانت من أشرس المتصدين للثورة الفرنسية لأسباب دينية، وهي مقاطعة مشهورة بتعلقها بالكنيسة الكاثوليكية وبالملكية، بينما كان آباء الثورة «يعلمنون» فرنسا الجمهورية بقوة السلاح. وظلت نزعة «اللامركزية» تسكنها منذ الأحداث الدامية التي ذهب ضحيتها الآلاف في أواخر القرن الثامن عشر.
إلا أن دو فيليه، الذي تحالف بعض الأحيان مع اليمين الكلاسيكي فجعل منه شيراك سكرتير دولة للشؤون الثقافية قبل أن يتقرب من اليمين المتطرف، جعل من الدفاع عن فرنسا من منظور شوفيني متعصّب كاثوليكياً مدخلاً لمسيرته السياسية. وذهب في بعض الأحيان أبعد من جان ماري لوبن في انتقاده للمهاجرين واليد العاملة الأجنبية.
خاض الانتخابات الأوروبية عام ١٩٩٤ ببرنامج معارض لأوروبا وحصل على 12.34 في المئة من الأصوات، مما جعل منه ركناً من أركان معارضي أوروبا. وكرر انتصاره في الانتخابات التالية عام ١٩٩٩ وحل قبل حزب الرئيس شيراك. وقد لون خطابه بالكثير من التطرف، خصوصاً تجاه الإسلام والمهاجرين في محاولة لكسب بعض أصوات اليمين المتطرف.