علي حيدر
ما الجدوى المتوخاة أميركياً من الدفع باتجاه سلسلة اللقاءات بين رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ما دام الطرفان ضعيفين، ولا يقويان على تحريك مسار التسوية؟
الطرف الفلسطيني، من جهته، وتحديداً بعد تعزيز مكانة حماس في الشارع الفلسطيني إثر فوزها في الانتخابات التشريعية وتأليفها للحكومة ثم لحكومة الوحدة الوطنية، غير ناضج من منظور أميركي وإسرائيلي للإقدام على خطوات «تاريخية» تسووية؛ أما الحكومة الإسرائيلية الحالية، فمن أضعف حكومات الدولة العبرية إن لم تكن أضعفها على الإطلاق. إذاً، ما الذي دفع الأميركي للضغط باتجاه لقاءات دورية بين الطرفين، وأية آفاق ونتائج مرتجى منها؟
يبدو أن الاهتمام الأميركي المتزايد بالساحة الفلسطينية، وفي ضوء الواقع السياسي الداخلي غير القادر على تحريك المسارات السياسية في إسرائيل والسلطة، يتجاوز السياق الإسرائيلي الفلسطيني والاتفاق بين الطرفين، لصعوبته، باتجاه العمل على خدمة الترتيب الأميركي المفترض للمنطقة، من جهة أن استمرار بروز القضية الفلسطينية واحتلالها «صدارة ما» على الأقل، فضلاً عن إمكان تأجج الصراع في محطات محددة يُربك المخطط الأميركي في المنطقة. ومن جهة أخرى، تعتقد الأطراف المعنية الأميركية والعربية أن التوصل إلى تسوية ما على الساحة الفلسطينية يمهد الطريق لأطراف تحالف الاعتدال العربي، بتوجيه أولويات أخرى تتساوق مع الأولويات الأميركية في المنطقة.
وعليه، ما دامت خلفيات «السيد الأميركي» من وراء تحريك المسار الفلسطيني مرتبطة بساحات أخرى، فأي أفق للقاءات الدورية التي بدأها عباس وأولمرت؟
ما يمكن تقديره أن أياً من الطرفين ليس في وارد التسليم بطرح الآخر، فلا الإسرائيلي على استعداد لحل قضية اللاجئين على قاعدة العودة... ولا الانسحاب إلى حدود عام 1967، والأمر نفسه ينطبق على قضية القدس. ولا الوضع على الساحة الفلسطينية يسمح بإمرار أي صفقة تنطوي على تنازلات تاريخية إضافية، كما حصل في أوسلو، في قضايا اللاجئين والقدس. إلا أن استمرار مشهد اللقاءات الدورية والإيحاء بحصول تقدم هنا وآخر هناك هو ضرورة أميركية لمواكبة حركته على الصعيد الإقليمي. وهو ما يفرض مراقبة «التزامن والتلازم» بين المرحلة التي بلغتها المساعي الأميركية وصولاً إلى ترتيبها الجديد للمنطقة، وبين مستوى الضغوط على الطرفين: الإسرائيلي والفلسطيني، لتحقيق خطوات مدروسة ومحددة توازيها.
وكجزء من عملية التمهيد لتقديم صيغة معينة على أنها إنجاز تسووي، يبدو عملياً أنه تمت إزاحة قضيتي اللاجئين والقدس من مفهوم الأفق السياسي للمفاوضات. وبدلاً من أن يضم «الأفق» تسوية «عادلة» تلبي حداً معيناً مقبولاً من قبل الشعب الفلسطيني، حول هذه القضايا، تمّ تقزيمه وحصره بمشروع إعلان عن دولة فلسطينية على البقعة الجغرافية المحسوبة الآن على السلطة، من دون استبعاد إضافة محدودة هنا أو هناك، وترحيل القضايا المصيرية وإدخالها في نفق القضايا العالقة بين دولتين.