الرياض ــ علاء اليوسفي
يعود السلفيون المنتمون إلى التيار الديني المتشدّد في السعودية إلى إحداث جلبة ذات طابع صدامي بين الفينة والأخرى، في محاولة لفرض توجهاتهم الدينية وقناعاتهم الفكرية على مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وهي محاولة لا تخلو من طابع العنف والإكراه. هذا المسلسل المتنقل المتجدّد بين مختلف المناطق، استقر أخيراً في منطقة القصيم القريبة من الرياض، حيث أقدم عدد من المتشددين على طمس الصور البشرية الموجودة على اللوحات الإعلانية في شوارع مدن المنطقة بأسلوب أنيق مقارنة بما كانوا يفعلونه منذ سنتين، في فترة الانتخابات البلدية، حينما كانت تطمس صور المرشحين بدهانات بدعوى «تحريم الصور البشرية» ومحاربة المنكر.
ويقول خالد الوزان، صحافي من منطقة القصيم، إن هؤلاء ابتدعوا طريقة جديدة لطمس لوحات الإعلانات التي تتضمّن صوراً بشرية، فعمدوا إلى وضع لاصقة دائرية ذات تصميم فني مميز، كتبت عليها عبارة «ساهم في طمس الصورة المحرمة»، وإلى جانبها رسم لوردة حمراء وضعت على الصور الموجودة في اللوحات المنتشرة في شوارع منطقة القصيم، ولا سيما مدينة بريدة.
وتعدّ منطقة القصيم من أكثر المناطق السعودية تشدّداً على المستوى الديني ومحافظة على المستوى الاجتماعي، إذ تخلو من تعدّد الثقافات كما غيرها من المناطق، وقلما يوجد فيها وافدون من مناطق سعودية أخرى، كما هي حال مدن الرياض وجدة والدمام والجبيل.
ويعدّ وضع الملصقات تطوّراً فنياً وتكتيكياً في عمل هذه الفئة الاجتماعية، إلى حد اعتبر فيه صاحب وكالة دعاية وإعلان تملك حق تأجير اللوحات «أنه أفضل بكثير من استخدام البويا وتحطيم اللوحات»، الأمر الذي كان يكلفه في السابق خسائر كبيرة نتيجة أعمال الصيانة وشراء لوحات جديدة.
الأسلوب التخريبي الجديد يعزوه أستاذ علم اجتماع في جامعة القصيم إلى الرغبة في ابتكار طريقة لا تحدث صداماً مع المجتمع وتؤدي إلى كسب تعاطف الرأي العام مع قضيتهم، بعدما لمسوا استنكاراً وعدم رضى من جهة الناس تجاه سلوكهم.
لكن خالد الوزان يوضح أن المجتمع القصيمي منقسم بين مؤيد ومعارض لهذه الأحداث، بعدما بدأت تظهر فتاوى دينية تحلّل التصوير. ويستند المحرمون إلى عدد من الأحاديث المتواترة عن الرسول، فيورد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني عدداً من الأدلة على حرمة التصوير، بما فيه التصوير الفوتوغرافي. من هذه الأحاديث «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم». وعن ابن مسعود، قال «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون».
ويرفض الألباني أن يكون لفظ «التصوير»، الذي قصده الرسول يستثني التصوير الفوتوغرافي الذي لم يكن موجوداً في ذلك العصر، فيقول «إن لفظة التصوير والمصورين لفظة مطلقة، فهي من حيث إطلاقها تشمل الصور المجسمة وغير المجسمة، ومن حيث النظر إلى سبب ورود بعضها يدل على أن الرسول إنما قالها بمناسبة الصور غير المجسمة، ولذلك فالذي يحمل هذه الأحاديث على الصور المجسمة التي لها ظل، ولا يُدخل فيها الصور المصورة على الثياب والستائر والجدران والورق اليوم، فإما أنه لم يطلع على هذه الأحاديث وما فيها من بيان أن الرسول قصد بها مباشرة الصور التي لا ظل لها، وإما هو يتأول هذه الأحاديث بتآويل باطلة».
لكن المحللين يرون أن مسألة الصور التي لا يكون للمصور فيها إلا تحريك الآلة أو التحكم فيها لا تدخل في مسألة الوعيد الذي ورد في «التصوير».
ويلفت الوزان إلى أن هذه المشكلة بدأت منذ سنتين تقريباً، حينما علّق المرشحون للانتخابات البلدية صورهم التي سرعان ما تعرضت للطمس بالبويا، «قبل ذلك لم يكن هناك مكان للصور البشرية في اللوحات الإعلانية في منطقة القصيم على الإطلاق».
يذكر أنه حتى الكتب المدرسية كانت في السابق تستبدل فيها الرسوم التوضيحية بالصور الفوتوغرافية، وما زالت بعض الكتب إلى اليوم تتضمن صوراً تتعرض للتجزيء، فيتم الفصل بين الرأس والجزء العلوي وسائر الأجزاء، وهذا ينطبق على صور الحيوانات في كتب العلوم الطبيعية.