إيلي شلهوب
حركة غير طبيعية في مطار بن غوريون. السجّاد الأحمر يملأ المكان. انتشار كثيف للعناصر الأمنية. توتر غير معهود. اتصالات لا تنقطع عبر الأجهزة اللاسلكية. الدولة كلها، بجميع قادتها، حاضرة. ابتسامات وهمسات لا تخفي نشوة النصر.
فجأة يسود الصمت. الأعين تتجه نحو السماء. طائرة تستعد للهبوط، يرافقها سرب من المقاتلات الإسرائيلية. يصطف رجالات الدولة استعداداً لاستقبال الزائر الجديد. ضيف آت من بلاد العرب. ليس واحداً فقط، بل 22. يوصفون في بلادهم بأنهم «آلهة». وفي العالم، يُنعتون بألقاب الجلالة والفخامة.
باب الطائرة يُشرع. آلاف المصورين يطلقون العنان لعدساتهم. لحظة تاريخية، تنقلها شبكات التلفزة في جميع أنحاء العالم. يخرج أول الضيوف. يلوّح لمستقبليه. يلقي نظرة عابرة من عل. يهمّ بالنزول، يتبعه الآخرون. ابتسامات عريضة تغلّف وجوه الغالبية. ورؤوس مطأطأة ووجوم واضح يميّز القلة الباقية.
قدما طليع الوفد تطآن أرض فلسطين (عفواً إسرائيل). يسجد ليقبّلها (لا يتضح ما إذا كانت قابلته بالمثل). ينهض ليوزع قبلات مشابهة على وجنات مستقبليه. وهكذا يفعل الآخرون. كلمات عابرة ونكات... ومصافحات جافة.
جلسة قصيرة في صالون الشرف، يغادر بعدها الضيوف في وفد مهيب. ضباط الجيش (جيش الاحتلال سابقاً) والموساد والشاباك يتولّون مرافقته. أجهزة الإعلام تلاحق تحركاته. مئات من دعاة السلام يحيّونه على جانبي الطريق. وتظاهرات غاضبة، تضم الآلاف، تحاصرها أعداد مشابهة من رجال الشرطة.
محطة أولى، قصيرة، في المسجد الأقصى. صلاة جماعية على روح آلاف الشهداء، يعرّج بعدها ضيوف الدولة العبرية على حائط البراق (عفواً المبكى)، الذي أُفرغ محيطه من اليهود المتشددين، مخافة شتائم قد يغدقونها على الزوار.
بعدها، استقبال رسمي في الكنيست. مقاعد فارغة، تعبيراً عن احتجاج أصحابها. كلمة ترحيب قصيرة لرئيسة البرلمان، تستعرض في خلالها معاناة اليهود، منذ ما قبل المحرقة، وتوقهم إلى السلام الذي لم تجد إسرائيل، خلال العقود الماضية، سوى في السادات والملك حسين شريكاًَ لصنعه. عتب مبطّن على تأخر العرب في القيام بخطوة كهذه. وتلميح إلى أن بعض الضيوف «سبق أن كانوا هنا».
متحدث باسم الوفد الزائر يعتلي المنصة. صيحات استهجان سرعان ما تُقمع. عدسات المصورين تتسابق على التقاط الصورة. إعلان يستعير بعضاً من تعابير السادات حول «سلام الشجعان»، وأخرى مثل «أتينا نمد أيدينا لكم». و«حان الوقت لننهي خلافاتنا ونعيش في وفاق ووئام». قد تتضمن الكلمة اعتذاراً عن المحاولات السابقة لمناهضة ما كان يعرف بالاحتلال. وتلميحاً إلى تعهّد بالقضاء على ما بقي من حركات «عفا عنها الزمن». تصفيق حار، تتقدم بعده رئيسة البرلمان لتصافح المتحدث، تعلوها ابتسامة من نوع «حسناً. لا تقلق. سنفعل».
حالة من التململ تظهر على بعض الزوار، وتصفرّ وجوه بعض آخر. إعلان من مدير التشريفات يعيد البسمة إليهم: حان وقت الغداء. قاعة كبيرة، مزيّنة بأبهى حلة، درّتها كوندي رايس، التي فاجأت الجميع بحضورها. فتيات جميلات تتنقّلن بين الطاولات. وجبات دسمة. وأحاديث جانبية، محورها الخطوة التالية... نحو إيران.
وداع يحاكي الاستقبال. الطائرة تعود إلى الأجواء. جولة سياحية، على علو منخفض. عيون مسمّرة على النوافذ. «هنا سجن عسقلان»، يقول فخامته. و«هذا معتقل نفحة»، يشير سموّه. «ما هذه البقعة القذرة المكتظة؟ وما هذه الانفجارات والنيران»، يتساءل جلالته. يأتيه الجواب «إنها غزة». فيعقّب «الحمد لله أن اللاجئين بقوا حيث هم. كيف كانوا سيتعايشون مع وضع كهذا؟».
سيناريو افتراضي لنهاية طريق يدفع في اتجاهها «رباعي الاعتدال العربي». أرسى لبناته الأولى، قبل يومين، اجتماع القاهرة لوزراء لجنة ترويج المبادرة. طريق من المؤكد أنها لن تكون معبّدة.