strong>باريس ــ بسّام الطيارة
سيغولين رويال أول رئيسة للجمهورية الفرنسية؟ الإجابة عن السؤال لا تزال في طي المجهول، لكن معطيات كبيرة تضع رويال في رأس قائمة المرشحين للمنصب، إذا تخطت، كما هو مرتقب، الدورة الأولى للانتخابات الأحد المقبل

  • صبــح أوّل امــرأة تتــولّى رئاســة الجمهوريــة الفرنسيــة؟

    قبل ٧٢ ساعة على الدورة الأولى للانتخابات الرئاسيةك مجال للتلاعب على الكلمات والشعارات لكسب مؤيدين جدد ولا لمحاولة جذب «البطن المائع» للجسم الانتخابي، أي نحو ٢٢ في المئة من الناخبين الذين لا يزالون مترددين. عمل المرشحين اليوم هو دعم فريق الناخبين المضمونين والسعي لتوطيد تصويته لتجاوز مرحلة القطوع الممكنة للوصول إلى الدورة الثانية.
    أربعة مرشحين يتنافسون على المركز الأول والثاني. الاستطلاعات تعطي كل من نيكولا ساركوزي (٢٨ في المئة) وسيغولين رويال (٢٦ في المئة)، أي أرجحية على المصنف ثالثاً فرانسوا بايرو (١٨ في المئة) والرابع جان ماري لوبن (١٥ في المئة). إلا أن الأمور ليست بهذه السهولة، فالعديد من التسريبات عن «استطلاعات سرية» تتحدّث عن مفاجآت كبيرة يمكن أن تحدث في الدورة الأولى.
    وأحد «سيناريوهات المفاجأة» وصول رويال ولوبن إلى الدورة الثانية على رغم معظم الحسابات التي تصنّف «ساركوزي فائزاً مضموناً» في أول دورة وتتردّد بتحديد المركز الثاني.
    إلا أن تواتر هذه التسريبات جاءت لتزيد من الإحساس العام بأن حملة رويال بدأت تأخذ إيقاعاً متصاعداً يمكن أن يكون إشارة تؤكد نوعاً ما هذا التوجه نحو المفاجأة. وبدت سيغولين رويال (٥٣ سنة)، التي تترشح للمرة الأولى عن الحزب الاشتراكي، أكثر ثقة ببدء حصد نتائج ما زرعته منذ ستة أشهر، منذ أعلنت رغبتها في خوض السباق الرئاسي، وبدأت جولاتها لـ«الحوار الإشراكي».
    وحتى الأمس القريب، لم تكن رويال تُعتبر من «سياسيي الصف الأول» حتى في داخل جهاز الحزب الاشتراكي، إلا أنها فرضت نفسها عبر تصويت المحازبين الكثيف لمصلحتها خلال مرحلة اختيار مرشح الحزب، إذ فازت بأكثر من ٥٥ في المئة من الأصوات بعيداً من الاشتراكي الليبرالي شتروس خان واليساري الراديكالي لوران فابيوس. وعلى رغم كل الشائعات التي سرت، فإن السكرتير الأول للحزب فرانسوا هولاند، الذي هو في الوقت نفسه «مساكنها» (يعيشان معاً من دون زواج رسمي منذ السبعينيات وعندهما أطفال)، لم يساعدها البتة في هذا الأمر. فهي اختارت فريقها وتوجّهت مباشرة إلى المحازبين متجاوزة آلة الحزب.
    بداية الصعود
    منذ أن أصبحت رويال المرشحة الرسمية للحزب، بدأت الانتقادات تنهال عليها من الحزب أكثر من خصومها السياسيين. وكانت معظم الانتقادات تنصبّ على خبرتها، مع أنها ليست أقل خبرة من منافسيها الاشتراكيين ولا حتى من خصومها في اليمين.
    فهي تبوّأت ثلاث مرات كرسياً وزارياً، في عهد فرانسوا ميتران مرة، ومرتين في حكومة ليونيل جوسبان. وهي خريجة المعهد القومي للإدارة الذي هو «منبع الموظفين الكبار»، ومنه تخرجت غالبية رجال السياسة من جاك شيراك إلى ساركوزي مروراً بدومينيك دو فيلبان ولوران فابيوس وآخرين.
    منذ تخرّجها، تدرّجت في سلك الموظفين الكبار حتى التحاقها مستشارةً إداريةً بقصر الإليزيه عام ١٩٨٢. وقد طلبت شخصياً من ميتران أن يدعم ترشُّحها في انتخابات برلمانية ففعل، ونجحت عام ١٩٨٨ في كسب مقعد نيابي في منطقة كانت سابقاً يمينية حصراً، ما زاد إعجاب ميتران بـ«قوة شخصيتها ومقاومتها للضغوط وقدرتها على العمل»، فجعل منها عام ١٩٩٢ وزيرة في الحكومة مكلفة بشؤون البيئة. وعلى رغم عدم شهرتها آنذاك، إلا أنها كانت وراء قوانين «تدوير النفايات» التي نقلت فرنسا إلى مصاف الدول الطليعية في مجال التخلّص من النفايات الصناعية والمنزلية.
    في عام ١٩٩٤، اجتازت بنجاح امتحان المحاماة لتمارس هذه المهنة إلى جانب عملها نائبةً في البرلمان وممثلة في مجلس إدارة محافظتها.
    وحاولت رويال منافسة فابيوس على موقع رئاسة المجلس عام ١٩٩٧ بعد نجاح الاشتراكيين ولكنها فشلت، إلا أنها فرضت نفسها عبر تلك المنافسة على تشكيلة حكومة «المساكنة» التي فرضتها الانتخابات على شيراك، فحصلت على وزارة شؤون التعليم وهو موقع مهم جداً في الحياة السياسية الفرنسية.
    ويقول بعض المراقبين إنه «كان يجب الانتباه إلى طموحها غير المحدود منذ هذا التاريخ». من عام ٢٠٠٠ حتى عام ٢٠٠٢، كانت وزيرة شؤون العائلة. ويقال إن شيراك كان معجباً جداً بعملها على رغم الحدّة السياسية التي كانت تفرضها حكومة جوسبان الاشتراكية على الرئيس الفرنسيإلا أن أهم معاركها الانتخابية كانت عندما ترشحت عام ٢٠٠٤ ضد رئيس الحكومة آنذاك جان بيير رافاران على رئاسة المقاطعة التي كان يحكمها منذ سنوات، وأنزلت به هزيمة نكراء وباتت أول امرأة تحتل مركز رئاسة مقاطعة وتدير شؤونها.
    ويرى البعض أن «انطلاقتها الوطنية بدأت منذ هذا الانتصار»، إذ إن الاشتراكيين بدأوا ينادونها بـ«ثاباتيرا» نسبة إلى رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو الذي هزم اليمين في العام نفسه. ويشير هؤلاء إلى أن رويال بدأت بتحسّس نبض الشارع الفرنسي، فهي مثلاً على رغم دعمها الدستور الأوروبي، لم تقم بأي نشاط علني لحثّ الفرنسيين على التصويت بـ«نعم» على الاستفتاء. وتجنّبت بذلك أن يرتبط اسمها بالسلبية التي يحملها الفرنسيون لأوروبا ودستورها.
    ومنذ هذا التاريخ، بدأت الاستطلاعات تشير إلى تصدّرها لائحة المرشحين للرئاسة وإمكانية فوزها. وكانت من أوائل الذين أعلنوا ترشّحهم منذ أيلول الماضي، ما وضع الحزب و«زوجها» في مأزق إجراء انتخابات داخلية. وقد تركت هذه الانتخابات نوعاً من التصلّب لدى كبار الحزب الملقّبين بـ«الفيلة» لم تستطع حملتها الانتخابية أن تمحيه تماماً.
    ولكن يتفق الجميع على القول إن الشخصية القوية لسيغولين استطاعت تجاوز هذا التصلّب في آلة الحزب عبر تجاهل تركيبة الآلة الحزبية والتوجّه مباشرة نحو الفرنسيين في ما أطلقت عليه اسم «الحوار الإشراكي».
    نسخ «الشيراكية»
    الواقع أنها «نسخت» ما قام به جاك شيراك عام ١٩٩٥ حين كان وحيداً بعدما طعنه رفاقه ودعموا بالادور، فانطلق يجول في مدن فرنسا وقراها ويعقد لقاء تلو الآخر، ما ساهم في بناء «علاقة خاصة بينه وبين الناخبين» استطاع عبرها كسر تمرّد بالادور وساركوزي والوصول إلى الرئاسة. وكذلك فعلت رويال، فهي «ذهبت نحو الفرنسيين»، تحاورهم. ولم تضع برنامجها الانتخابي إلا انطلاقاً من نتيجة هذه «المبادرة الإشراكية» ليكون البرنامج خلاصة هذه اللقاءات.
    وقد ساعدها في ذلك اليساري المخضرم جان بيار شوفينمان، الذي كان أول من دعمها في ترشّحها على الرغم من أنه من المرشحين الدائمين للدورة الأولى، وكان وراء منع جوسبان من الوصول إلى الدورة الثانية في الانتخابات الماضية.
    البرنامج «الديغولي»
    يبدو ظاهراً دعم شوفينمان في برنامجها الانتخابي القريب من الطروحات «الديغولية»، حيث تحتل معالجة الدين العام المرتبة الأولى، ونرى أن الاهتمام بالتربية بشكل عام والتعليم الرسمي ورفع مستواه هو أحد الحلول المطروحة للتصدي لتراجع الطبقات الفقيرة اجتماعياً ولحل مشاكل البطالة. وإن ما تطرحه رويال من حلول للتصدي لمسألة هجرة المصانع إلى دول ذات يد عاملة رخيصة، كان الديغوليون يروّجون لها سابقاً، فيطالبون بمنع المساعدات عن الشركات التي تهاجر، وتخصيصها للشركات التي تتعهد إبقاء العمل في فرنسا.
    وكذلك الحلول التي تقترحها لمسألة الأمن تقوم على «العودة إلى أسباب العنف في الضواحي» في مقابل مقترحات اليمين التي تعتمد على «الردع البوليسي»، وهي أيضاً معالجات تضع الدولة أمام مسؤولياتها في «تدريب الشرطة وتأهيلها» للتعامل مع المواطنين، مع اقتراح فكرة «الخدمة شبه العسكرية»، بدل السجن لمرتكبي الجنح البسيطة.
    ويرى المحلّلون أن رويال بطرحها برنامجاً لا يمكن اعتباره «اشتراكياً بالدرجة الأولى» تداعب مشاعر الفرنسيين الراغبين في «عودة الدولة لتولّي شؤونهم» في ظل التراجع الاقتصادي والبطالة. وهي تعرف أنها لا تستطيع التخلّص من «المتطلبات والموجبات التي تفرضها أوروبا على أعضائها»، والتي هي ليبرالية بالدرجة الأولى، إلا أنها تحاول تمهيد الطريق لحلول شبيهة بالحلول التي تسود أوروبا الشمالية ودول البلطيق، حيث تترافق سياسة اجتماعية طوعية من قبل الدولة مع السياسة الليبرالية المالية.
    ولكن كما يقول بعض الاشتراكيين العاملين في فريق رويال، فإن «الضوضاء الإعلامي» الذي يحيط بالحملة الانتخابية يمنع الناخبين من الغوص في برامج المرشحين، ما يبقي برنامج رويال في ظل «إعلام تهييجي» بعيداً من التحليل والمقارنة، وخصوصاً في غياب جدل مباشر بين المرشحين.
    وفي انتظار المفاجأة، تبدو سيغولين رويال واثقة جداً من نفسها ومن أن «المد الشعبي» آت لا محالة لملاقاتها يوم الأحد المقبل. لذا هي بعدما أنهت آخر لقاءاتها الشعبية في مدينة نانت، المدينة نفسها التي أنهى فيها ميتران لقاءاته الانتخابية، رفعت أيديها نحو مؤيديها المجتمعين وقالت «أنا القوة الهادئة»، وهو الشعار نفسه الذي دفع ميتران نحو الرئاسة.
    وفي النهاية، فإن كثيرين في فرنسا لا يرون اليوم في سيغولين المرأة مجرد مرشح للرئاسة يحمل برنامجاً انتخابياً، بل نوعاً «من خطوة تطويرية جديدة للممارسة السياسية الفرنسية». وربما كثيرون بينهم لديهم رغبة دفينة في أن تكون لفرنسا اليوم رئيسة، فيلتقي طموح رويال مع رغبات هؤلاء وتكون أول رئيسة للجمهورية الفرنسية.




    لوبن: ساركوزي قد يجرّّ فرنسا إلى حرب ضد إيران
    باريس ــ الأخبارلا تفارق الابتسامة وجه جان ماري لوبن، وهو غير آبه بالاستطلاعات ولا بما تنقله وسائل الإعلام من تنبّؤات أو تسريبات، فهو «واثق من أنه سيكون في الدورة الثانية». وقد ردد أمس أن مفاجأة عام ٢٠٠٢ ستتكرّر «مع تغيير بسيط».
    وقد فهم الصحافيون، الذين تجمّعوا حوله في مركز الصحافة الأجنبية، أنه قصد غياب ساركوزي ووصوله مع سيغولين رويال إلى الدورة الثانية. وعندما سئل عن سبب مهاجمته ساركوزي على رغم أنه يقاسمه قسماً من ناخبي اليمين وأنه سيحتاج إلى أصوات ساركوزي إذا «صدقت توقّعاته»، أجاب بأن «الانتخابات الرئاسية مثل مباراة الملاكمة: يوجّه الملاكم لخصمه الضربات، ولكن بروح رياضية».
    وأعاد لوبن اليميني المتطرف تأكيد ما سبق أن صرح به من أن ساركوزي لا يحق له الترشح لأنه «من أصول مهاجرة». وقال إن بعض الدول تضع قوانين تمنع ترشّح من ليس من أصول وطنية وأعطى على ذلك مثال «الولايات المتحدة التي تمنع أرنولد شوارتزنغر من الترشح لرئاستها».
    ثم كرّر مهاجمته المرشحين الثلاثة الأوفر حظاً، وقال إنه يمثل التجديد بينما ساركوزي يمثل الفريق الخارج من الحكم بعد ١٢ سنة كما هو الأمر مع بايرو، وأن سيغولين خدمت خلال الحكم الاشتراكي الذي دام ١٤ سنة.
    أما في ما يتعلق بسياسة فرنسا في الشرق الأوسط، فقد أجاب المرشح لوبن عن سؤال لـ«الأخبار» عمّا سيتغير في حال وصوله إلى الرئاسة؟ فشرح بأن «السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط تعود لسنوات عديدة مضت، وأنه لا يرى أي تغيير يمكن أن يطرأ على دعم باريس للبنان». وانتقد «عدم دعوة إسرائيل إلى المساهمة في إعادة بناء ما هدمته خلال الحرب الماضية». أما بالنسبة إلى فلسطين، فقال لوبن لـ«الأخبار» إنه يطالب بـ «عودة إسرائيل إلى حدود ١٩٦٤ (قصد ١٩٦٧) مع ضمان أمنها وضمان قيام دولة فلسطين في الأراضي المحتلة». وطالب الأمم المتحدة بـ«تنفيذ قراراتها ذات الصلة».
    أما بالنسبة إلى مسألة إيران النووية فقد أجاب عن أسئلة بعض الصحافيين الإسرائيليين الذين حضروا بقوة في مؤتمره الصحافي بقوله «إنه لا يرى سبباً لمنع إيران من حصولها على تقنية الطاقة النووية لأسباب سلمية». وعندما ربطت بعض الأسئلة بين تهديد إيران لإسرائيل وإمكانية حصولها على القنبلة النووية، قال «إنه لا يفهم أن تكون لدى إسرائيل والهند وباكستان قنابل نووية وتكون محظورة على الدول الأخرى».
    وحذّر لوبن من أن ساركوزي قد يجرّ فرنسا إلى المشاركة في حرب تشنّها الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران. وقد جدّد لوبن رفضه دخول تركيا الاتحاد الأوروبي، ورفض رداً على سؤال ضمَّ إسرائيل للاتحاد نفسه، مبرراً ذلك بقوله «إن تركيا ومثلها إسرائيل ليستا دولتين أوروبيتين من حيث الجغرافيا ولا من حيث السكان».