موسكو ــ حبيب فوعاني
يؤكد الطلاب الأجانب في أكاديمية سيتشين الطبية في موسكو أن الإدارة أمرتهم أمس بالتزود بالمواد الغذائية الكافية وعدم مغادرة سكنهم الجامعي في الأيام الثلاثة المقبلة. وذكر الطلاب أن الإدارة تقفل عليهم الأبواب في هذا الوقت، منذ أعوام، بحجة التدريبات على إطفاء الحرائق، لكنهم يعرفونالسبب الحقيقي لذلك، وهو خوف الإدارة من اعتداءات القوميين العنصريين الروس «حليقي الرؤوس» عليهم في الشوارع لمناسبة ذكرى ميلاد الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر في 20 نيسان.
وبالفعل، أصبح أمراً اعتيادياً في روسيا ضرب وقتل «حليقي الرؤوس» الروس للأجانب والقوقازيين والسمر والسود. وكان آخر ضحية لهؤلاء مواطن روسي أرمني الأصل، طعن بالسكاكين في 16 نيسان الجاري في موسكو. واعترف الجناة بجريمتهم وببواعثهم العنصرية.
ويثير تصاعد موجة الكراهية للغير قلق المنظمات الروسية المحلية والدولية، التي تدافع عن حقوق الإنسان، وبينها منظمة العفو الدولية، التي وجهت أصابع الاتهام إلى السلطات الأمنية الروسية، بأنها لا تبذل جهوداً كافية لمحاربة هذه الظاهرة.
وتورد منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان أرقاماً مفزعة عن معدلات الجريمة على خلفية عنصرية في روسيا خلال السنوات الأخيرة. وتفيد المنظمات بان 1072 جريمة عنصرية، ارتُكبت في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية وحدها في عام 2006 ضد الأجانب ومواطني روسيا من غير القومية الروسية.
وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً جاء فيه أن «الجرائم العنصرية في روسيا خرجت عن نطاق السيطرة». وانتقدت سياسة «التمييز» في تصرفات السلطات الأمنية الروسية، كما انتقدت إخفاق هذه السلطات في الإحصاء الدقيق والتحقيق في الجرائم المرتكبة على خلفية عنصرية.
وأوردت في التقرير أمثلة عن تصنيف الشرطة والنيابة للجرائم والاعتداءات العنصرية على أنها «جنح وأعمال شقاوة». وأضافت إن جرائم القتل العنصرية والاعتداءات الوحشية على الأجانب والأقليات العرقية والناشطين ضد العنصرية في البلاد قد خرجت عن السيطرة. وذكرت «أنّ على السلطات الروسية أن تولي الأهمية اللازمة للجرائم، التي تُرتكب ضد الأجانب والمجموعات الإثنية الأفريقية والجنوب شرق آسيوية والمجموعات الأخرى من مواطني روسيا غير السلافيين، وهذه الجرائم تصب كلها في خانة العنف العنصري».
ومن الأمثلة التي علّل بها التقرير نتائجه، قضية قتل الطفلة الطاجيكية خورشيدة سلطانوفا البالغة من العمر تسعة أعوام. وكان أفراد إحدى العصابات العنصرية الروسية قد اعتدوا على الطفلة وأفراد آخرين من عائلتها في مدينة سانت بطرسبورغ. وتعرضت الطفلة إلى تسع طعنات في صدرها وذراعيها وتوفيت على الفور. لكن محكمة المحلفين، المؤلفة في غالبها من سيدات بيوت، برّأت المشتبه فيهم من التهم الموجهة إليهم.
وتفيد أرقام رسمية أن نحو 150 منظمة عنصرية وفاشية ونازية تنشط في روسيا، وتضم زهاء 5 آلاف شخص، لكن المراكز الاجتماعية المختصة تؤكد أن التعداد الحقيقي للعنصريين يزيد على 50 ألف شخص، من ذوي الميول المتطرفة، ما يعني «جيشاً عنصرياً» يزداد عدده يوماً بعد يوم.
وفي هذا الإطار، يلاحَظ الآن نمو نزعة خطيرة في المجتمع الروسي؛ فقد أظهرت استطلاعات علماء الاجتماع أن الأفكار العنصرية القومية تزداد انتشاراً من عام إلى آخر بين المواطنين الروس. وفي هذا العام، راوح عدد أصحاب شعارات كراهية الغير بين 50 و60 في المئة، ويعترف 23 في المئة بكراهيتهم للقوقازيين، ويدعو 60 في المئة من الروس إلى الحد من الهجرة إلى البلاد.
وفيما وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السياسيين، الذين يستغلون القومية العنصرية، بأنهم «أنذال يريدون تفتيت روسيا»، فإن المراقبين يتوقعون تفاقم هذه المشكلة مع اقتراب الانتخابات النيابية في نهاية العام الجاري والرئاسية في بداية العام المقبل، التي ستُثار فيها من جديد النعرات القومية، التي يعاقب عليها قانون الجنايات الروسي، وذلك لجذب أصوات الناخبين في ظل تقاعس شبه تام من الشرطة الروسية، التي ينخرها الفساد.