«هآرتس» ـــ الوف بن وشموئيل روزنر
شيء ما يتزحزح في العملية السياسية. الدليل: المقربون من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قالوا لأصدقاء لهم في اليسار الإسرائيلي إنهم في هذه المرة خرجوا راضين من لقائهم مع رئيس الوزراء إيهود أولمرت يوم الأحد الماضي. والدليل أيضاً: غداة اللقاء، حصل تفاهم داخلي فلسطيني لتعليق إطلاق صواريخ «القسام» من القطاع نحو إسرائيل، وحتى يوم الأربعاء سُجل فقط إطلاق أربعة صواريخ. والدليل أيضاً: أولمرت وافق على التحدث للمرة الأولى مع عباس عن «الأفق السياسي» والشروع في مباحثات حول التسويات الأمنية والاقتصادية التي ستسود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية. والدليل أيضاً: الجامعة العربية عينت، للمرة الأولى في تاريخها وفداً لدفع مبادرة السلام مع إسرائيل قدماً. والدليل أيضاً: الجنرال الأميركي (كيث) دايتون حصل على موازنة لتدريب وتسليح الحرس الرئاسي، وديوان مستشار الأمن القومي الفلسطيني، محمد دحلان.
كيف يمكن قراءة هذه المؤشرات؟ هذا يعتمد على من تسألونه. في ديوان أولمرت يعلقون على ذلك بحذر. هناك عمل كثير، كما يقولون هناك، وسنرى إلى أين ستفضي الأمور. أولمرت أراد لقاء مغطى إعلامياً مع السعوديين تحت سقف قمة سلام إقليمية، إلا أنه قوبل بالرفض في الوقت الحالي. وفد الجامعة العربية سيتألف من مصر والأردن اللتين تتحدثان مع إسرائيل طوال السنة. لن تخرج من هناك صورة متوهجة. العرب لا يسارعون إلى مد يد المساعدة لأولمرت، وربما هم ينتظرون، مثل الإسرائيليين، حتى يروا إذا كان أولمرت سيبقى حياً يرزق بعد تقرير لجنة فينوغراد، وحينئذ سيفكرون في خطواتهم.
استعدادية أولمرت الجديدة للتحدث مع عباس حول «الأفق السياسي» يمكن أن تُقرأ بطريقتين: الأولى، تشخص تنازلاً عن مبدأ شارون الحديدي السابق بعدم التحدث في الشؤون السياسية من قبل أن يقوم الفلسطينيون بتصفية الإرهاب و«التحول إلى فنلنديين»، كما قال مستشار شارون السابق دوف فايسغلاس. شارون خشي من مصيدة تضطر فيها إسرائيل إلى قبول تسوية دائمة قسرية على صيغة اقتراحات باراك ــــــ كلينتون أو تتعرض للشجب كرفضوية، لذلك أحجم عن الدخول إلى غرفة المفاوضات بأي ثمن بذريعة مختلفة في كل مرة. مرة طالب بـ «سبعة أيام هدوء»، ومرة أخرى طالب باستبدال القيادة الفلسطينية، وعندما لم يكفه ذلك، قام بإخلاء غوش قطيف. بذلك ضمن لنفسه الهدوء.
أولمرت، بحسب هذه الرواية، يواصل التحدث عن خريطة الطريق ويرفض البحث في قضية القدس والحدود النهائية واللاجئين، لكن من اللحظة التي وافق فيها على التفاوض مع عباس حول «الأفق السياسي» ــــــ وحتى لأربعين دقيقة فقط، مثلما حصل يوم الأحد من الأسبوع الماضي ــــــ شُقت الطريق إياباً نحو الاقتراحات المكنوزة في كامب ديفيد وطابا. «العالم» يقبل مطلب عباس بالتفاوض حول التسوية الدائمة، ويمارس ضغوطاً شديدة على أولمرت حتى يقوم بتقشير لاءاته ومواقفه المساومة تدريجياً.
كلام فارغ، تقول الرواية المضادة. أولمرت في وضعه الضعيف في الاستطلاعات لا يمتلك الدعم الجماهيري للقيام بخطوة سياسية دراماتيكية، وإذا توجه إلى هناك فسيخاطر بتفكيك ائتلافه مع ليبرمان وشاس. بإمكان عباس أن يتكلم ويتكلم، لكنه لن يصل إلى الاتفاق، وبالتأكيد ليس إلى تنفيذه. أولمرت يحاول فقط إرضاء وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس من خلال الثمن الأكثر رُخصاً الذي يمكن تحقيقه. لذلك، وافق على اللقاءات الدورية مع عباس كل أسبوعين، والحديث عن «الأفق السياسي».
في الأصل، قبل أي شيء، يجب عليه أن يُعيد جلعاد شاليط من الأسر وأن يمتص الانتقادات المتوقعة بسبب إطلاق سراح مخربين ــــــ قتلة. حينئذ فقط، وإذا اجتاز استحقاقا فينوغراد بسلام، فسيكون بإمكانه أن يفكر بجدية في التسوية الدائمة.