موسكو ـــ حبيب فوعاني
أُعلن في موسكو، أمس، عن وفاة بوريس يلتسين، الرئيس الأوّل لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والذي كان يعاني من مشكلات صحية مزمنة ومتاعب في القلب، بسبب الإدمان على الكحول. وقد بدأ نجم يلتسين السياسي يبرز مع إعلان الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف عن سياسة «البيريسترويكا» (الإصلاح) في منتصف ثمانينات القرن الماضي، ما سمح ليلتسين بتقلّد مناصب عديدة رفيعة في الدولة السوفياتيةوعلّق عليه الشعب الروسي بالذات الآمال بعد الخيبة التي أسفر عنها تردّد غورباتشوف في تطبيق «الإصلاح» كاملاً، وانتخب في 12 حزيران 1991 رئيساً بعد وعود قدّمها بمحاربة الفساد والمحسوبية وإرساء قواعد الديموقراطية. ولكن سرعان ما بدا أن تهوّره ليس أفضل من تردّد غورباتشوف. فقد قام مع الرئيس الأوكراني السابق ليونيد كرافتشوك ورئيس البرلمان البيلوروسي ستانيسلاف شوشكيفيتش بالاجتماع سراً في جمهورية بيلوروسيا السوفياتية، وأعلنوا عن حلّ الاتحاد السوفياتي، ما أدّى التدخّل الفاشل للجيش السوفياتي إلى الحؤول دون ذلك، ونزوله إلى الشارع في آب 1991، وإلى اضطرار غورباتشوف في نهاية الأمر إلى تقديم استقالته في 25 كانون الأول من العام نفسه.
ولا تزال روسيا تدفع فواتير سياسة يلتسين، التي أدّت إلى انهيار المنظومة السوفياتيّة ودخولها في نفق مظلم لليبراليّة موعودة واقتصاد سوق لم يكن مفيداً سوى لرجال الأعمال والمقرّبين من القيادات الروسيّة حينها أو حتّى لتلك القيادات نفسها.
ولو استقال يلتسين، الذي بدأ مسيرته السياسية في سن الـ 37 عاماً حين أصبح رئيس الحزب الشيوعي المحلّي في «بوتكا» قرب أكاتيرنبرغ في منطقة الأورال، بعدما شهدت موسكو ما شهدته في آب 1991، لكان التاريخ سيذكره بأنه شخصية سياسية عظيمة عملت الكثير من أجل إصلاح النظام الاشتراكي والمجيء بشخصيات شيوعية شابّة تكمل المسيرة بعد تعاقب الزعماء السوفيات الهرمين على السلطة، من دون معاناة المواطنين خلال حكمه، الذي استمرّ 9 سنوات.
ولكن يلتسين، المهندس الريفي الأصل، كان يريد السلطة فقط، واحتلال كرسيّ الرئاسة في الكرملين بدلاً من غورباتشوف في أسرع وقت وبأيّ ثمن وعلى نحو يرضي الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة. ومن المعلوم أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش (الأب) كان أوّل من أبلغه يلتسين بقرار حلّ اتحاد الجمهوريات السوفياتية، بموجب ما عرف باسم «اتفاق بيلوفيجسكايا بوشا» أي تفكيك البلاد.
وبدلاً من الرخاء، بلغ الفساد في عهد يلتسين حدوداً لم ترد بخلد أي سوفياتي، وانتشرت الجريمة والمافيا والفقر، وتأزّمت المشكلات القومية. وفي عام 1993، أمر بقصف البرلمان بالدبابات، وفي العام التالي، شن الحرب على الشيشان، التي أودت بعشرات الآلاف من الروس والشيشانيين. ولم يعد النظام إلى هذه الجمهورية المتمرّدة إلا في عهد بوتين. وعلى أي حال، سيذكر التاريخ ليلتسين تخلّيه بطوع إرادته عن السلطة قبل حلول عام 2000 بخمس دقائق، ما ساهم بمجيء بوتين الشاب إلى السلطة.