حيفا ـــ الأخبار
ّ«بنينا جيلاً من الشباب المعتزّ بعروبته وفلسطينيّته ومؤسسات إعلامية، ولا يكمن التحدي فقط في الحفاظ عليها بل في توسيعها وتقويتها»

وجّه رئيس التجمّع الوطني الديموقراطي عزمي بشارة، أمس، رسالة إلى «أبناء وبنات التجمع والحركة الوطنية وأصدقائها أبناء شعبنا عموماً»، استعرض فيها التهم التي توجّهها إسرائيل ضده.
وقال بشارة، في بداية رسالته المطولة، إنه «بعد مرور اثني عشر عاماً على تأسيس التجمع وأحد عشر عاماً على عملي البرلماني، قرّرت أن أستقيل من البرلمان الإسرائيلي، الذي استنفدتُ أدواتَه تحت السقف الحالي واستنزفني أيضاً، وأن أخصص جزءاً أكبر من طاقتي وجهدي السياسي للكتابة الفكرية والأدبية والسياسية، إضافة إلى تخصيص جهد خاص للعمل مع الشباب الوطني».
وأضاف بشارة «تعاملت منذ البداية مع العضوية في البرلمان كهمّ وعبء لا بد منه في ظروف العمل السياسي في إطار المواطنة، وخطّطت أن استقيل بعد الانتهاء من سنّ قانون شلل الأطفال، أي بعد إنهاء همّ تشريعي أحمله منذ سنتين».
وتابع «بدأنا منذ عام 1996 بتثوير العمل والخطاب والأدوات البرلمانية، محقّقين عشرات السوابق من التشريعات وحتى المصطلحات المستخدمة برلمانياً في نمط عمل عقلاني ومثابر ومتمسك بالثوابت الوطنية وضد التشويهات الحضارية والأخلاقية الناجمة عن عملية أسرلة وصهينة العرب في الوقت ذاته. وحاولنا صياغة الحركة الوطنية كممثل، ليس فقط لرؤيا سياسية ومشروع وطني قومي ديموقراطي، وإنما أيضاً كعنوان لهموم الناس مع الحفاظ على الكرامة الوطنية».
وقال بشارة «ما لبث أن استفز مشروع دولة المواطنين والإدارة الذاتية للعرب موحدين في برنامج سياسي واحد المؤسسة الصهيونية بشكل غير مسبوق. وتعرضنا لحملات سياسية وشخصية متواصلة من التحريض ومحاولات نزع الشرعية بمعناها الاسرائيلي. وخاطبت هذه الحملات الوعي الصهيوني والعنصري حيناً والعربي المتأسرل الذي يعتبر المساواة اندماجاً على هامش المشروع الصهيوني، والقابل لحالة نصف عربي ونصف إسرائيلي والخائف من هذا الطرح من ناحية أخرى. وقد صمدنا فيها جميعاً ونجحنا. وبعد كل نجاح قضائي، كانوا يسنّون القوانين لكي لا ننجح قضائياً في المرة المقبلة. وكما تعلمون فُصِّل جزء من هذه القوانين على مقاسنا، مثل القانون الذي ألغى حصانة النواب بشأن زيارة ما يسمى في قاموسهم بلاد العدو، وتصحيح قانون التحريض على الإرهاب. وبلغت حملات التحريض والدسّ أوجها عندما تكلّمت على حق الشعوب، وخصوصاً الشعبين الفلسطيني واللبناني، في مقاومة الاحتلال والعدوان، وعندما أثمر العمل على التواصل مع الوطن العربي».
وقال بشارة «لم أفاجأ عندما تبيّن لي أنهم يخططون لاعتقالي فور استقالتي من الكنيست لغرض محاكمتي. فبعدما فشلت أساليبهم القديمة من نوع الطعن القضائي بمشروع التجمع القاضي بنزع الصفة الصهيونية عن الدولة، قرروا اللجوء إلى تهم من نوع: إعطاء معلومات للعدو في زمن الحرب، مساعدة العدو خلال الحرب، اتصال مع عميل أجنبي، زيارة بلد عدو من دون إذن، وخرق قانون تمويل الإرهاب وحتى إدخال أموال إلى البلاد من دون إذن مخالفة لقانون تبييض الأموال. وبوشر التحقيق معي على هذه التهم».
وأضاف بشارة «وغنيّ عن القول إنها تهم باطلة وملفّقة لا أساس لها من الصحة، أنكرناها جميعاً في التحقيقات التي جرت حتى الآن. لقد تبيّن لنا أن رسالة ديسكين حول مكافحة الشاباك لـ«قوى تستخدم الوسائل الديموقراطية الشرعية» هي رسالة جدية للغاية، كما أن تصريحاته التي سبقتها حول سلوك العرب في زمن الحرب الأخيرة مبيّتة ومغرضة ومقصودة وموجهة. كما أنه من حقنا أن نشك بأن السياسيين يبحثون عن متنفس بإيجاد عنوان لتوجيه اللوم إلينا للتغطية على فضائحهم وفشل حربهم الإجرامية على لبنان».
وقال بشارة «من الواضح أن أجهزة الأمن ومعها قباطنة المؤسسة الصهيونية قد استنفرت تماماً بعدما انتشر مشروعنا على شكل أفكار وطروحات سياسية تتبناها فئات تتجاوز بكثير مؤيدي وقواعد التجمع المعروفة، ولتتفتح في ألف زهرة ووثيقة تعبر عن الخطاب نفسه، أو على الأقل المزاج نفسه، مزاج الخروج عن الوصاية والتفكير بمستقبلنا في هذه البلاد خارج الهامش الذي تتركه لنا الصهيونية».
وأضاف «فقدوا عقلهم تماماً إذ لجأوا الى التنصت على الهواتف وجلب الشهود من أجل تفصيل مثل هذه التهم الباطلة والتي لا أساس لها، لتدمير وضرب من لم يتمكنوا منه ومن فكره ونشاطه طوال هذه الفترة. وبموجب هذه التهم، سيكون عليّ أن أناقش وأبرر محادثات تلفونية تنصّتوا عليها مع أصدقاء وصحافيين في فترة كانوا يدمرون فيها بلداً كاملاً، أو أن أواجه تحويل أحاديث خاصة بين أصدقاء إلى مواضيع سياسية كأنها مقال أو منشور أو بيان نحاكم عليه». وتابع «لقد حوّل الاتهام تبادل أحاديث عادية ومواقف وشكاوى وتذمّر بين أصدقاء، كما يفعل الناس عادة في الحروب، الى نقل معلومات للعدو. في حين أن ذلك كان همّ الناس في زمن الحرب يتبادلون القلق والهموم والأخبار والشائعات وكلمات التشجيع وغيرها، هكذا يتكلم الناس في أحاديثهم الخاصة، لكن التنصت عليها يحوّلها إلى تهم تجعلها تبدو كأنها مواقف معلنة».
ورأى بشارة أن قواعد اللعبة هذه «تحوّل القيادي والمثقف إلى مشتبه فيه مذلّ ومهان في عرفهم يبرر تواصله الشخصي والعام وعلاقاته مع العالم العربي أمام الأسياد، ويبرر علاقاته مع الضحايا أمام المعتدي. ولا أخفيكم أنني سئمت هذه اللعبة، لعبة إثبات «براءتي» للمجرم، لعبة الدفاع عن العقاة مع شعبي أمام المستوطنين في وطني، سئمت محاولة جرّنا لإثبات الولاء لإسرائيل. ولم أعد أفهم ما يعنيه أن أثبت للمجرمين الذين دمّروا بلداً كاملاً في حرب تموز وقبله بلداً آخر إبان الانتفاضة الثانية أني بريء. هم يدفعون بنا في عملية قضائية وبوليسية الى تحويل الخلاف والصراع السياسي إلى خلاف على معنى البراءة، إذ يعتبرون التعاطف مع المعتدى عليه والموقف ضد الحرب جريمة».
وأضاف بشارة «ليس بإمكانهم احتوائي، وكما يبدو لم يعد بإمكانهم استيعاب وجودي من دون احتواء في البرلمان أيضاً. ولن أترك لهم القرار فأتحول إلى متشبّث بعضوية البرلمان. هذا ذلّ لا نرضاه، ويفضّل أن أرميها في وجههم بدل الانجرار إلى لعبة الدفاع عن حصانة ستنزع في نهاية الأمر».
وقال بشارة «لم يمرّ وقت لم أتعرض فيه إلى ضغط أو تحقيق أو محاكمة طوال عملي السياسي، وبشكل خاص منذ الانتفاضة، بما في ذلك قرارهم «الشاباكي» المعروف والمتكرّر والمقدّم للمحاكم، لمنع التجمع، ومنعي شخصياً من خوض الانتخابات أو لمحاكمتنا بتهمة التحريض على العنف. كانت المواجهة شاقة، وخصوصاً عندما وصل الأمر إلى التعبئة الإعلامية التي تنفلت مثل جوقة في أعتى نظام ديكتاتوري يرفقها مخبرون عرب ومشوّهون باحثون عن إعجاب لدى العنصريين».
وأضاف بشارة في رسالته «ولدت ونشأت في العمل السياسي النضالي منذ أن أسست وقدت لجنة الطلاب الثانويين العرب عام 1974 وخبرت أساليبهم منذ الشباب المبكر مروراً بسني التعليم الجامعي وحتى عملي البرلماني. ولكن هذه المرة فاقوا كل التوقعات». وتابع «لقد شهدنا سلوك الإعلام الإسرائيلي بعد خطابات أم الفحم والقرداحة بين التحريض والتشويه والذم والقدح والافتراء، وأثناء الانتفاضة الثانية، وخلال الحرب على لبنان. وخبرنا الجوقة الإعلامية كيف تنتظم لتخويف العرب وتعبئة اليهود. كما خبرتم معي في الأسابيع الأخيرة تجنيدهم حتى لوسائل إعلام عربية مأجورة أو عميلة ومخبرين عرب لا يتورعون عن الانضمام الى حملة التحريض بالعبرية وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية ذاتها ضد الخطر الذي نمثله. إنهم يحاولون أن يفرضوا علينا قواعد اللعبة هذه، ونحن نرفض ذلك».
وشدّد بشارة على أن الاستقالة «ليست تقاعداً من السياسة، فالنيابة بالنسبة لحزب مناضل هي شكل من أشكال العمل السياسي، ولم يقتصر عملي ونضالي على هذا الشكل في يوم من الأيام. عملنا معاً على بناء مؤسسات وقواعد وقيادة لمثل هذا الظرف أو ما هو أصعب منه. ولا يجوز أصلاً البناء على أبدية الشخص. وقد نجحنا في بناء حزب وقيادة حزبية واعية وصلبة ومتماسكة نفخر بها جميعاً، وفي الشهر الأخير خاضت هذه القيادة بتضامن شعبي واسع معركة شرسة بشجاعة ونجاعة أكدت أنها تستحق هذا اللقب. كما أوصلنا الى البرلمان كتلة برلمانية نشطة وفعالة واصلت عملها البرلماني اليومي مع الناس حتى في هذه الظروف».
وقال بشارة «بنينا جيلاً من الشباب الواعي والعاقل والمناضل والمعتز بعروبته وفلسطينيته، ومؤسسات إعلامية وغيرها. ويكمن التحدي ليس فقط في الحفاظ عليها، بل في توسيعها وتقويتها. فهذا هو الوقت للانضمام الى صفوف الحزب واتحاد الشباب». وأضاف «بالإضافة إلى قرار الاستقالة، قررت حالياً تأجيل عودتي إلى حين تتضح الأمور، فنحن لسنا فريسة سهلة، ولا نستدعى للمثول بهذا الشكل. وطبعاً الخيار ليس بين المنفى والوطن، فالمنفى ليس خياراً. وتذكّروا أنه لا يوجد نضال من دون ثمن. وأن رأس الحركة قد استهدف هذه المرة لتلقينكم الدرس بواسطتي، والمغزى الذي يريدون فرضه علينا وعلى الناس في هذه الحملة أن طريقنا، تقود الى هذه النتيجة، أي الى التهم التي يدّعون ويفترون. وإذا دفعت أنا ثمناً فهذا لا يعني إطلاقاًَ أن يدفع كل منكم الثمن نفسه، والخوف من مثل هذا الاحتمال يعني أنكم قد تلقنتم «الدرس» الذي يريدونكم أن تتعلموه، وأنهم نجحوا عندما خططوا وتآمروا ضد رأس الحركة. علينا أن نستمر وسوف نستمر بالعمل والدراسة والنضال والتنظيم والفكر، فهذا دربنا، وهذا مشروعنا، وهذه قيمنا، وهذا حلمنا الذي نسجنا خيوطه معاً».