strong>موسكو ـــ حبيب فوعاني
فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي ذو الجذور الاستخباريّة الذي أعاد بلاده إلى سكّة «الرشد القومي» في مواجهة التحدّيات الدوليّة بعد إخفاقات سلفه الراحل بوريس يلتسين، يكمل إشعال فتيل المواجهة الجديدة الباردة مع الغرب، ويدخله في متاهة التساؤل بشأن موسكو من بعده

لم يختلف خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السنوي الثامن أمام مجلس الاتحاد (الشيوخ) ومجلس الدوما أوّل من أمس، عن خطاباته السابقة في القسم المتعلّق بالشؤون الداخلية، من خلال الوعود السخيّة بتحسين مستوى حياة المواطنين.
وعلى طريقة الزعماء السوفيات السابقين، اقترح بوتين تنفيذ مشاريع استراتيجية جبّارة تغيّر صورة البلاد، فظهر مثل فلاديمير لينين في وعده بمتابعة «كهربة روسيا»، وجوزيف ستالين، الذي شق القناة بين نهر الفولغا ونهر موسكو، باقتراحه شقّ قناة بين الفولغا والدون. ومثلما وعد ميخائيل غورباتشوف بإعطاء كل مواطن سوفياتي شقّة مستقلّة ولم يف بذلك، ظهر بوتين في صورة الفارس الذي يصبو إلى القضاء على أزمة السكن.
وباختصار، كان الخطاب إيذاناً ببدء حملة الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2 كانون الأول.
أما في شقّه الدولي، فقد عُدّ الخطاب استكمالاً لذلك الذي هزّ مدينة ميونيخ الألمانيّة خلال المؤتمر الدولي عن الأمن في 10 شباط الماضي. وكما رأت صحيفة «كوميرسانت» الروسيّة، يبدو مؤكداً أنّه «في نزاعها مع الغرب، تبدأ موسكو بالتحوّل إلى لغة الإنذارات».
فقد أشار الرئيس الروسي إلى ازدياد تدفّق الأموال الخارجيّة، واتهم الغرب بالتدخل في شؤون روسيا الداخلية، وشبه ذريعة «الدمقرطة» تحت لواء «تمدين الشعوب المتخلّفة» بتلك الشعارات الخبيثة التي استخدمها المستعمرون في السابق، وهو ما رآه المراقبون رداً على «الخطة الاستراتيجية» الأميركية، التي تمتدّ من عام 2007 إلى عام 2012، والتي أعلنت واشنطن فيها أن أحد أهدافها الأساسية هو مواجهة «السلوك السلبي» لروسيا.
ومن الواضح أنّ صاعق الخطاب يكمن في زاوية «المواجهة»، حيث أعلن وريث يلتسين تعليق تنفيذ «معاهدة القوات المسلّحة التقليدية في أوروبا». ويرى المراقبون أن فكرة انسحاب موسكو من هذه المعاهدة ليست جديدة، لكن هذه هي المرة الأولى التي توجّه فيها موسكو إنذاراً بذلك، وتتحول من الأقوال إلى الأفعال.
أمّا في الجزء المتعلّق بمستقبله السياسي، الذي خطّ كلماته بنفسه كما أشارت مصادر الكرملين، فقد أرسل بوتين إشارات متناقضة ضاعفت من حجم البلبلة في هذه المسألة. فمن ناحية، أشار إلى أن خطابه الحالي هو الأخير بصفته رئيساً، ومن ناحية أخرى، أكّد أنه «من السابق لأوانه إذاعة وصيّته السياسية».
ويتفق المحلّلون على أن بوتين باق في الميدان السياسي على أي حال، وأن دوره سيستمرّ فاعلاً في السياسة الروسية بعد عام 2008 (حين تنتهي فترة ولايته الثانيّة)، إلّا أنّهم يختلفون في تحديد كيفيّة ذلك.
هل سيغيّر بوتين رأيه ويبقى في منصب الرئاسة، مثلما جرت العادة في الاتحاد السوفياتي «تحت إلحاح الكادحين»، وعندها يتمّ تعديل الدستور الروسي؟ أم سيجري «تقزيم» منصب الرئاسة، في إطار مخطوطة يتابع فيها قيادة البلاد من خلال منصبه رئيساً للوزراء؟ أم ستنشأ دولة اتحادية جديدة تضمّ روسيا وبيلاروسيا (التي أُشير إليها في الخطاب من خلال «الانفتاح على جميع أشكال التكامل ونماذجه»)، يرأسها بوتين وعندئذ تنتفي الحاجة لتعديل الدستور؟ أم سيصبح «مرشداً روحياً» للمسار السياسي الروسي ولمواجهة الهيمنة الغربية، وفي ذلك تمثل مغزى الخطاب الانتخابي؟.
أسئلة متشابكة لكنّها متمحورة حول تساؤل واحد «مستقبل روسيا: هل تصوغه البوتينيّة؟». الجواب لن تظهر ملامحه إلّا في بداية آذار 2008، وهو موعد بدء الانتخابات الرئاسية، ذلك أنّ رجل الاستخبارات السابق لا يريد كشف أوراقه قبل الأوان كي لا يصبح «بطة عرجاء». والبطة العرجاء في روسيا سرعان ما تتحوّل إلى مشوية.
إلى ذلك (أ ف ب)، قال الرئيس الروسي، بعد لقاء مع الرئيس التشيكي فاتسلاف كلاوس في الكرملين أمس، إنّ «خطر وقوع أضرار لدى الجانبين (الروسي والأميركي)، وحتى خطر حصول تدمير متبادل، يتضاعف»، وموضحاً أنّ ذلك «يوازي بالنسبة الينا نشر (صواريخ) برشينغ، وهو تهديد مطابق تماماً على حدودنا»، في إشارة إلى هذا النوع من الصواريخ الأميركية القصيرة المدى التي تمّ نشرها خلال الحرب الباردة.