strong>غزة ــ رائد لافيرام الله ــ سامي سعيد

نجح الفلسطينيون على ما يبدو في تخطي خلافاتهم المرحلية، والوحدة
الوطنية لم تعد بعيدة، إذا لم تقطعها سلطات الاحتلال، عبر اعتداءات قد تتّسع لتطال قطاع غزة، أو شروط تزيد الحصار ضيقاً وتغلق نافذة الانفراج

حسم آخر لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية أمس الملفات الخلافية التي تعوق اتفاق حكومة الوحدة الوطنية، ما يمهّد لإعلانها الأسبوع المقبل، في وقت عمدت فيه إسرائيل إلى تصعيد اعتداءاتها عبر اجتياح رام الله واعتقال أكثر من 70 فلسطينياً.
وعلمت “الأخبار” من مصادر فلسطينية موثوق بها أن عباس وهنية قطعا شوطاً كبيراً في شأن تجاوز القضايا العالقة التي تعترض إعلان حكومة الوحدة، على أمل الاجتماع في لقاء جديد يوم الثلاثاء أو الأربعاء المقبلين لبلورة الصيغة النهائية.
وكشفت المصادر الحكومية، مفضلة عدم الكشف عن هويتها، أن عباس وهنية نجحا في تجاوز الكثير من القضايا العالقة، فضلاً عن بحث قضايا مهمة مرتبطة بما تم الاتفاق عليه في مكة.
وكان عباس وهنية قد عقدا أمس لقاءً ثنائياً، هو الرابع في غضون ثلاثة أيام، استمر زهاء ساعة ونصف ساعة، بعيداً عن وسائل الاعلام، قبل أن يغادر الأول غزة إلى رام الله، استعداداً للقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت الأحد المقبل.
وبحسب المصادر المطلعة، فإنه تم تجاوز عقبة المرشح لوزارة الداخلية، عبر الاتفاق على ثلاث شخصيات وطنية مستقلة، سيتم اختيار إحداها لتولي المنصب، رافضة الكشف عن هويتها.
وقالت المصادر نفسها إنه “بتجاوز هذه العقبة، باتت التشكيلة النهائية لحكومة الوحدة المرتقبة شبه جاهزة”، لكنه لن يتم الإعلان عنها قبل اللقاء المرتقب بين عباس وهنية الاسبوع المقبل، تمهيداً لعرضها على المجلس التشريعي لنيل الثقة.
وبحث الرئيسان، وفقاً للمصادر، في قضايا أخرى على درجة كبيرة من الأهمية، تتعلق بتأليف مجلس الأمن القومي، والمراسيم الحكومية “المجمدة رئاسياً”، والقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والهدنة بين فصائل المقاومة وإسرائيل.
وأشارت المصادر إلى أنه تم الاتفاق على الشروع في إعادة هيكلة وتأليف مجلس الأمن القومي بعد الانتهاء من حكومة الوحدة، مضيفة إن “مسألة القوة التنفيذية ستحل في الإطار ذاته”.
وتضاربت المعلومات في شأن المراسيم الحكومية، ففيما أكدت المصادر ذاتها أن المسألة قد انتهت بشكل كلي، عبر اعتمادها من جانب عباس، نفت مصادر أخرى دقة هذه المعلومات، وقالت إن “جزءاً من هذه المراسيم تم اعتماده فيما أجلت مراسيم أخرى لوقت لاحق”.
وفي شأن إعادة إصلاح منظمة التحرير وهيكلتها، قالت المصادر إنه تم الاتفاق على عقد لقاء تشاوري بين مندوبين من الرئاسة وقادة وأمناء الفصائل الفلسطينية في دمشق قبل نهاية الشهر الجاري، تمهيداً للقاء سيعقد في القاهرة في هذا الاطار لم يتم تحديد موعده بعد.
وأشارت المصادر إلى أن عباس وهنية بحثا أيضاً في مسألة إبرام اتفاق هدنة شاملة مع إسرائيل، لكنه لم يتم حسم هذه المسألة خلال اللقاء، وبقيت معلقة لمزيد من التشاور.
وكشفت مصادر أخرى النقاب عن تجاوز مسألة مشاركة “الجبهة الشعبية - القيادة العامة” في حكومة الوحدة، حيث حُسم عدم مشاركتها، استجابة لرغبة حركة “فتح”.
وبالتوازي مع الانفراج الداخلي، شنت إسرائيل حملة عسكرية على رام الله في الضفة الغربية، حيث فوجئ رجال الأمن الفلسطينيون أمس بعشرات الآليات العسكرية الإسرائيلية تحاصر مبنى الاستخبارات العسكرية في حي أم الشرايط جنوب غرب المدينة وتعتقل 70 رجل أمن فلسطينياً، بينهم 18 “مطارداً” من “كتائب شهداء الأقصى” التابعة لحركة “فتح”.
وقال شهود عيان لـ“الأخبار” إن عشرات الآليات العسكرية الإسرائيلية اقتحمت رام الله فجر أمس وحاصرت مقر الاستخبارات العسكرية وبدأت بالمناداة على الموجودين داخله ثم بدأت بإطلاق النار والقنابل الصوتية في محيط المقر الأمني حتى تمت السيطرة على المقر بالكامل واعتقال كل من في داخله.
وأفرجت قوات الاحتلال في وقت لاحق عن نحو خمسين فلسطينياً اعتقلوا في العملية، وأبقت على العشرين الآخرين قيد التحقيق.
وقال مدير الاستخبارات العسكرية في الضفة الغربية، العميد ماجد فرج، إن العدوان الإسرائيلي “عملية سياسية وأمنية” موجهة ضد جهود السلطة الفلسطينية لإعادة النظام والهدوء وضد حكومة الوحدة. وأضاف “يبدو أن إسرائيل انزعجت من نجاح اتفاق مكة ومن الحملات الأمنية التي نقوم بها لإعادة الأمن والقانون للمدن الفلسطينية”.
وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، لوكالة “فرانس برس”، “ندين بشدة هذا العمل، الذي ينذر بعواقب وخيمة وانهيارات للتهدئة”. وأضاف “إن مثل هذه الممارسات تقويض لكل جهود التهدئة، وخصوصاً أنها تأتي قبل أيام من اللقاء المرتقب بين عباس وأولمرت”.
قال المتحدث باسم حركة “فتح” في الضفة الغربية، جمال نزال، إن اعتقال القوات الإسرائيلية لكوادر الحركة يستهدف إضعافها. وأضاف “بعد شهر من حملة اغتيالات مكثفة واعتقالات استهدفت قوات الاحتلال خلالها فتح ومؤيديها، بات واضحاً أن سياسة إسرائيل ترتكز على تكرار سيناريو الاقتتال الذي وقع في غزة من خلال إضعاف فتح في الضفة الغربية، بغية الإخلال بالمعادلة التي ضمنت عدم انتقال الأحداث المؤسفة إلى الضفة حتى في أحلك الساعات”.
وأضاف نزال إن “إسرائيل تسعى الآن جاهدة إلى قلقلة وضع مقاومي فتح بغية فتح الباب للشرور، ليس حباً في طرف فلسطيني معين، بل رغبة منها في نسف اتفاق مكة بأيادٍ فلسطينية”.