strong>حسام كنفاني
“سنغادر القصر الرئاسي كما يغادر السجين سجنه”، عبارة
أطلقها رئيس المجلس العسكري الحاكم في موريتانيا، العقيد أعلي ولد محمد فال، قبل انتخابات الرئاسة المقرر انطلاقها غداً الأحد، التي من المفترض أن تنهي حكماً عسكرياً قصرياً أطاح حكم الرئيس معاوية ولد الطايع في الثالث من آب 2005، بعد 21 عاماً من تربعه على عرش الرئاسة. فهل يتحقق ذلك؟

  • «النموذج التركي» يلوح في الأفق... واتهامات للمجلس العسكري بدعم أحد المرشحين

    شهدت موريتانيا الكثير من معطيات “الديموقراطية العسكرية” خلال العامين الماضيين تمهيداً لإيفاء العسكريين بوعدهم بإعادة السلطة إلى المدنيين، بدءاً بالانتخابات البلدية والبرلمانية، مروراً بإعادة تفعيل الأحزاب السياسية، التي كانت مكبّلة في عهد ولد الطايع، وإطلاق المعتقلين السياسيين، وتبني مشروع دستور جديد عبر الاستفتاء الشعبي، وصولاً إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد منع أعضاء المجلس العسكري من الترشّح لأي من المناصب التشريعية أو التنفيذية.
    ورغم تأكيدات ولد فال والمجلس العسكري بالحياد، تسود الساحة السياسية في موريتانيا أجواء مشحونة، جراء الحملة التي شنتها أحزاب المعارضة السابقة والمجتمعة في “ائتلاف قوى التغيير الديموقراطي» (أكبر كتلة حزبية 41 نائبا) ضد المجلس العسكري، والتي تتهمه فيها بدعم المرشح المستقل سيدي ولد الشيخ عبد الله، لمنعها من الوصول إلى سدة الحكم.
    بل إن أحزاب “الائتلاف” تجاوزت الحرب الكلامية إلى دعوة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي إلى التدخل “لإنقاذ المسلسل الديموقراطي في موريتانيا، والضغط على المجلس العسكري الحاكم لدفعه إلى توخي الحياد في انتخابات الرئاسة”.
    وتدعّم قوى “الائتلاف” اتهاماتها بحملة إقالات لمسؤولين حكومين، تقول إن المجلس العسكري قام بها لـ“إنشاء جبهة مساندة لمرشح العسكر سيدي ولد الشيخ عبد الله”.
    اتهامات كهذه تطرح أكثر من علامة استفهام حول مصير الحكم الموريتاني بعد الانتخابات الرئاسية، ولا سيما أن المجلس العسكري ألمح إلى إمكان اعتماد طريقة حكم تكاملية بين السلطتين المدنية والعسكرية؛ إذ شدد الأمين العام لرئاسة المجلس، حبيب ولد همت، على “ضرورة بحث دور المؤسسة العسكرية بحيث تسهم في التكامل مع المؤسسات السياسية الأخرى لتدعيم الاستقرار، وضمان توديع عصر الانقلابات”.
    يستحضر مثل هذا “التكامل” تجربة الحكم في تركيا، حيث يمارس العسكر دور الرقيب على النظام العلماني، وهو ما يمكن تشبيهه بالوضع الحالي في موريتانيا، حيث لا يزال الإسلاميون ممنوعين من إنشاء حزب سياسي، رغم صعودهم الكبير في الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني الماضيإلا أن أي خطوة فعلية لم تتخذ باتجاه إعطاء العسكر أي دور في الحياة السياسية المقبلة، ذلك أنه من المقرر أن يتم حل المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية، بعد الانتخابات، ليعود أعضاؤه إلى مناصبهم السابقة، فيما سيتقاعد رئيسه أعلي ولد محمد فال، وهو لهذه الغاية أعلن عن ترميم منزله القديم تمهيداً للانتقال من القصر الرئاسي.
    وفي تعليق لولد فال، الذي عمل مديراً للأمن العام في عهد ولد الطايع، على المرحلة المقبلة من حياته، قال إنه “كالسجين الذي سيخرج من محبسه ليمارس حياته الطبيعية ويتفرغ لأعماله التجارية وخدمة أفراد عائلته بعد رحلة عمل دامت عشرات السنين في الحياة العسكرية».
    غير ان العديد من المقربين منه يؤكدون ان ميله المتزايد إلى العمل السياسي قد يدفعه في المستقبل إلى الترشح للمنصب الرئاسي أسوة بنظيره وجاره المالي، الانقلابي السابق امادو توماني توري، الذي أصبح رئيساً لبلاده.
    المرشحون والبرامج
    من المقرر أن يدلي نحو 1.1 مليون ناخب موريتاني بأصواتهم لانتخاب رئيس من بين 19 مرشحاً، تتوزع انتماءاتهم بين أحزاب المعارضة السابقة والإسلاميين والأحزاب المتحالفة مع حزب ولد الطايع الحاكم سابقاً.
    وتبدو حظوظ الوصول إلى الدورة الثانية، التي تشترط حصول المرشح على أكثر خمسين في المئة من الأصوات، محصورة في أربعة مرشيحين رئيسيين، سيتنافس اثنان منهم في هذه الدور المقررة في 25 آذار الجاري للفوز بفترة رئاسية من خمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، بناء على الدستور الجديد.
    ويتقدّم المرشحين الأربعة أحمد ولد داداه، مرشح حزب “تكتل القوى الديموقراطية”، المؤلّف من أحزاب المعارضة السابقة إبان حكم ولد الطايع.
    ويتنافس 3 مرشحين على المرتبة الثانية في جولة الإعادة، وهم سيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي يصنّف بأنه مقرّب من المجلس العسكري، ويتمتع بتأييد مجموعات مهمة من القوى التقليدية ورموز النظام السابق. وصالح ولد حننا، المدعوم بقوة من التيار الإسلامي، وهو رئيس “حزب الاتحاد والتغيير” (حاتم)، الذي يعتبر امتداداً لتنظيم فرسان التغيير العسكري المعارض. والمحافظ السابق للبنك المركزي، الزين ولد زيدان الزين ولد زيدان، المقرّب من ولد الطايع.
    فبعد ثلاثة أيام من فتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة، أعلن 18 حزباً سياسياً عن تشكيل تحالف سياسي أطلقوا عليه اسم «الميثاق»، ويضم أحزابا وشخصيات مستقلة انشق معظمها على الحزب الجمهوري الحاكم سابقاً، وتصنف حاليا على أنها «مقربة» من المجلس العسكري الحاكم، لدعم ولد الشيخ عبد الله.
    ومن أبرز المجموعات المكونة لتحالف «الميثاق» تكتل المستقلين، والحزب الجمهوري، والاتحاد من أجل الديموقراطية والتقدم (يساري)، والتجمع من أجل الديموقراطية والوحدة (مقرب من ولد الطايع)، وحزب البديل (يرأسه الأمين العام السابق للحزب الجمهوري الحاكم سابقا)، وعدد كبير من الأحزاب الصغيرة التي كانت في السابق من أشد المعارضين لنظام ولد الطايع.
    ويسود انطباع في أوساط قوى المعارضة التقليدية، “ائتلاف قوى التغيير الديموقراطي”، الذي يضم تيارات يسارية وقومية وإسلامية، أن تجمع هذه التشكيلات كلها في تحالف واحد يمثل دليلاً قاطعاً على وجود يد للمجلس العسكري الحاكم في تشكيله بهدف مواجهة ولد داداه.
    ومن بين القضايا الرئيسية التي يتناولها معظم المرشحين، مكافحة ظاهرة الفساد ومسألة الرق والنهوض بقطاع الاقتصاد والتنمية ومراجعة العلاقات مع إسرائيل، وهو ما يركّز عليه المرشحون ذوو التوجهات الإسلامية، ولا سيما أن موريتانيا من بين الدول العربية القليلة التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية كاملة.
    ومن أطرف الوعود التي شهدتها حملة الانتخابات الرئاسية، ما أعلنه المرشح المستقل دحان ولد أحمد محمود، الذي تعهّد لفتيات موريتانيا بالقضاء تماماً على مشكلة العنوسة، التي تؤرق الكثيرات منهن، وتأمين عريس لكل فتاة.
    الموقف الدولي
    لا يزال المجلس العسكري يحظى برضى المجتمع الدولي، نظراً لسير عملية الانتقال الديموقراطي بسلاسة. وبعد مراجعة الدستور وطرح التعديل في استفتاء في حزيران 2006 وتنظيم سلسلة من الانتخابات، حصل هذا المجلس، تدريجياً، على تأييد الخارج بفضل ادارته الجيدة للبلاد والضمانات الديموقراطية التي قدّمها، بانتظار انتهاء الانتخابات الرئاسية، التي تحظى للمرة الأولى برقابة دولية من الإتحاد الأوروبي ومنظمة “مراسلون بلا حدود”.


    احمد ولد داداهوتولى ولد داداه، الذي درس الاقتصاد، مناصب مستشار ومندوب في الامم المتحدة لمرات عديدة وكان وزيراً للمالية في عهد اخيه غير الشقيق مختار ولد داداه. ويحظى حزبه إئتلاف القوى الديموقراطية، الذي يعد أكبر عدد من المقاعد في البرلمان (15 نائباً و5 نواب في مجلس الشيوخ)، بدعم الحزب الاشتراكي الفرنسي.



    سيدي ولد الشيخ عبد الله


    صالح ولد حنانهاعتقل ولد حنانه (42 سنة)، عام 2004 وفي 2005 حكم عليه بالسجن المؤبد، لكن المجلس العسكري أفرج عنه. انتخب نائبا عام 2006 وتدعم حملته الانتخابية حركة “اصلاحيو الوسط” (اسلاميون معتدلون).



    الزين ولد زيدان