مرت الاتصالات بين واشنطن وطهران بمراحل عديدة، لكنها لم تنقطع يوماً، حتى في الأيام الأولى لقيام الثورة الإسلامية، إذ بنى البلدان جسر تواصل قائماً على المصلحة، وإن كانت هذه العلاقة تسلك مسارات خاطئة منذ البداية.ففي ثمانينيات القرن الماضي، ظهرت فضيحة «ايران ـ كونترا»، عندما قررت ادارة الرئيس الاميركي رونالد ريغان بيع السلاح الى ايران، أملاً في أن تساعدها في إطلاق سراح الرهائن الاميركيين في لبنان. وقد حولت الادارة الاميركية المال الايراني لدعم المتمردين في نيكاراغوا.
أما في الفترة الأخيرة، فيلتقي المسؤولون الاميركيون نظراءهم الإيرانيين منذ أكثر من عقد، وفي أغلب الأحيان تحت سقف الأمم المتحدة.
ففي عام 1994، تغاضى الرئيس بيل كلينتون عن شحنات أسلحة أرسلتها إيران الى المسلمين في البوسنة، في وقت كانت واشنطن تلتمس قراراً دولياً لفرض حظر الأسلحة في هذه المنطقة.
وفي عام 1998، أطلق الدبلوماسي الدولي الأخضر الابراهيمي، مجموعة، سماها «ستة + اثنان»، التقت في نيويورك لبحث الأوضاع في أفغانستان. وقد ضمت المجموعة الدول المجاورة لأفغانستان، بينها إيران والولايات المتحدة.
وعن هذا اللقاء، قال الابراهيمي، في مقابلة صحافية، إنه يتذكر أن «الايرانيين والاميركيين قالوا إنها المرة الأولى التي يلتقون فيها في غرفة صغيرة بهذا الحجم».
وفي عام 1999، عرض كلينتون اجراء حوار «غير مشروط» مع ايران، ولكن طهران أصرّت على رفع العقوبات أولاً، فعمدت الامم المتحدة الى توفير غطاء لمحادثات دبلوماسية سرية.
ثم أنشأت الامم المتحدة، عام 2001، منتدى اخر لتسهيل الاتصالات بين ايران والولايات المتحدة، واطلقت عليه اسم «مبادرة جنيف»، التي ضمت ايضاً كلاً من المانيا وايطاليا.
وفي شأن هذا المنتدى، يقول الابراهيمي إنه «كان فعلاً غطاءً للقاء الإيرانيين والأميركيين».
وبعد هجمات 11 ايلول 2001، واجه البلدان عدواً مشتركاً: طالبان التي تحكم أفغانستان، حيث عقد المسؤولون الايرانيون والأميركيون محادثات مكثفة لتنسيق التعاون بين أمراء الحرب المدعومين من ايران والمناوئين لطالبان وبين القوات الأميركية، في الأيام التي سبقت الغزو الاميركي لأفغانستان في تشرين الاول 2001.
واستمر التنسيق بشكله السياسي، اذ أبدى الدبلوماسيون الإيرانيون الكثير من المرونة، خلال مؤتمر بون في كانون الاول من عام 2001، الذي اسفر عن تأليف الحكومة الافغانية الانتقالية.
وقال مبعوث وزراة الخارجية الاميركية الى المؤتمر، جيمس دوبينز، إن الموفد الايراني كان «رئيسيا في تأليف حكومة افغانستان».
بعدئذ، أوضحت ايران أنها مهتمة بحوار استراتيجي اوسع مع الولايات المتحدة. ولكن واشنطن كانت تفكر في أن «يدها هي الطولى».
وهكذا، قام وزير الخارجية الاميركية انذاك كولن باول بكتابة رسائل شكر الى جميع المشاركين في المؤتمر، باستثناء ايران.
وبعد ستة اسابيع من مؤتمر بون، وضع الرئيس الاميركي جورج بوش، في خطابه حول حالة الاتحاد، ايران ضمن «محور الشر»؛ لقد كان الايرانيون يتوقعون مكافأة ما على جهودهم في افغانستان، ولكنهم «تلقوا صفعة» في المقابل.
ومع ذلك، استمر الدبلوماسيون الإيرانيون في لقاء السفير الاميركي لدى كابول، زلماي خليل زاد، لأكثر من عام، وذلك في مقر الامم المتحدة.
خليل زاد نفسه، الافغاني الاصل والذي يتقن الفارسية، سيكون حاضراً في مؤتمر بغداد اليوم.
وقد شملت المحادثات في افغانستان ملفي تنظيم القاعدة والعراق، بحسب الابراهيمي.
تشجعت ايران. وفي ايار 2003، وصل فاكس من صفحتين الى وزارة الخارجية الاميركية، يتضمن «خريطة طريق» لإقامة علاقات عادية بين الطرفين، عبر السفارة السويسرية في طهران.
ولكن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس والرئيس نفيا علمهما بهذه المذكرة. «وبخت الإدارة الأميركية السفير السويسري لتجاوز حدود»، بحسب تريتا بارسي، رئيس المؤتمر الايراني- الاميركي.
وفي كانون الثاني 2006، طلب الاميركيون من ايران اجراء حوار عن العراق، بحسب سفير ايران لدى الامم المتحدة، جواد ظريف، الذي علق على الموضوع بالقول إن الولايات المتحدة «تستمر في ارسال بالونات اختبار، وحالما ترد ايران بإيجابية، تبدأ المشاورات في واشنطن، وتكون النتائج سلبية دوماً».
لكن دوبينز يشير الى انه «من جملة الدروس التي استخلصناها من افغانستان، هي ماذا بمقدور الايرانيين فعله لاصلاح او لتعقيد الوضع».
(عن «لوس أنجليس تايمز»)