strong>كانت الصواريخ التي تساقطت قرب مقر وزارة الخارجية العراقية، حيث عُقد «مؤتمر بغداد الدولي لدعم الأمن في العراق»، أبرز دليل، بالنسبة إلى جميع الأطراف المشاركة، على حجم المأزق الأمني الذي يواجه هذا البلد، وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق الأطراف المشاركة إذا قررت السير بجدية نحو حل المشكلة الرئيسية في بلاد الرافدينفتح مؤتمر بغداد أول من أمس الطريق أمام مؤتمر أوسع وأهم، يرجح أن يُعقد الشهر المقبل في مدينة اسطنبول التركية، على مستوى وزارء الخارجية، بعدما شكل نقطة انطلاق نحو تعاون أكبر، حسبما أوحت تصريحات ممثلي الأطراف المشاركة.
واختُتمت مساء أول من أمس أعمال «مؤتمر بغداد الدولي لدعم الأمن في العراق»، الذي شارك فيه ممثلون عن 16 دولة ومنظمة عربية وإسلامية ودولية، بالاتفاق على تشكيل ثلاث لجان فنية للتنسيق بين أعضائه على مواضيع الأمن والحدود والمهجرين وتوريد النفط، «على أن تجتمع لجان العمل هذه في أقرب وقت ممكن، ويفضل أن يكون اجتماعها قبل نهاية هذا الشهر حتى يتسنى لها تقديم استنتاجاتها وتوصياتها إلى اجتماع وزراء الخارجية» المزمع عقده الشهر المقبل، في تركيا أو مصر، حيث كلف المجتمعون وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري تحديد المكان «بعد التشاور مع نظرائه»، بحسب البيان الختامي للمؤتمر.
وقال زيباري أمس، في حديث لشبكة «سي أن أن»، إن مؤتمر بغداد حاول «كسر الجليد» مع إيران، بهدف إشاعة «مناخ ملائم لإجراء مشاورات»، واصفاً انعقاد المؤتمر بأنه «نجاح كبير» للعراق.
وحول الاتهامات الأميركية لإيران بتزويد المقاومة العراقية المال والسلاح، أشار زيباري إلى «معلومات استخبارية كثيرة عن أسلحة وعناصر وشكل من الدعم تعبر الحدود انطلاقاً من إيران»، موضحاً أن المسؤولين العراقيين «تحدثوا غالباً إلى الإيرانيين بشكل مباشر؛ أحياناً يُنكرون، وأحياناً أخرى يقرّون بإمكان تحرك أناس في شكل يتجاوز سلطاتهم، لكن بصماتهم واضحة، ولا مجال لإنكار ذلك».
ودعا الوزير العراقي طهران إلى «أن تقرن دعمها المعلن للحكومة العراقية بخطوات على الأرض»، محذراً من أن «أي بلد لن يكون في منأى من سقوط العراق»، كما لفت إلى أن «أي قرار بسحب القوات (الأميركية)، في شكل متسرع أو سابق لأوانه، ستكون له نتائج كارثية على الجميع؛ الولايات المتحدة والمنطقة».
وفي طهران، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني أن بلاده «ستساند بشكل كامل أي خطة أو مبادرة تضمن الأمن والاستقرار في العراق، ونحن نرى مؤتمر بغداد خطوة هامة لدعم حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي»، معرباً عن أمله أن هذا المؤتمر «مقدمة لمؤتمر ثان على مستوى وزراء الخارجية».
ورداً على سؤال عن احتمال مشاركة وزير الخارجية منوشهر متكي في المؤتمر المقبل، وإذا ما كان سيجري محادثات مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، قال حسيني إن طهران «أعلنت سابقاً، بشأن المحادثات حول الموضوع النووي، أننا على استعداد للتفاوض مع جميع الأطراف النووية، من دون شروط مسبقة».
وكرر حسيني موقف طهران الداعي إلى «وضع جدول زمني لانسحاب» الاحتلال الأميركي من العراق، و«التصدي للجماعات الإرهابية، من دون تمييز».
بدوره، قال نائب وزير الخارجية الإيراني عباس أراقتشي، الذي ترأس الوفد الإيراني إلى بغداد، إن المؤتمر «حقق هدفه الرئيسي، ألا وهو الدعم الجدي لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، وهيأ الأجواء لعقد مباحثات مستقبلية على مستوى وزراء الخارجية»، نافياً عقد أي مباحثات مباشرة في بغداد مع الوفد الأميركي.
وكشف المسؤول الإيراني أن المؤتمر شهد مناقشات «حامية» مع الأميركيين حول الدبلوماسيين الإيرانيين الستة الذين تحتجزهم القوات الأميركية في العراق، مشيراً إلى أن الأميركيين «يعانون للأسف من فشل استخباراتي، ولقد ارتكبوا العديد من الأخطاء في العراق بسبب معلومات مغلوطة».
وفي باريس، رأى وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي أن مؤتمر بغداد يشكل «خطوة أولى نحو استقرار» هذا البلد، إلا أنه شدد على ضرورة أن يلتزم العراقيون التوصل إلى «المصالحة الوطنية»، مجدداً موقف باريس بضرورة تحديد «أفق» لسحب قوات الاحتلال من العراق.
وفي لندن، ذكرت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان، أنها «تتطلع للمساهمة في لقاءات أخرى في المستقبل القريب»، داعياً الدول المشاركة في مؤتمر بغداد إلى «الاستمرار في تواصلها مع الحكومة العراقية».
في المقابل، رأى السفير الأميركي لدى العراق زلماي خليل زاد أن نجاح مؤتمر بغداد سيُقاس من خلال الأحداث «على الأرض».
ووصف خليل زاد، بعيد اختتام المؤتمر الذي استمر 10 ساعات، الأجواء بأنها «بناءة، ولم يحتدم النقاش بل كانت المحادثات عادية وصريحة، وحتى تخللها بعض المزاح»، موضحاً أنه التقى الوفد الإيراني «مباشرة، بوجود الآخرين وتحدثت معهم حول الطاولة، وأبلغتهم قلقنا» من وصول الأسلحة والأموال إلى المسلحين العراقيين.
كما أشار زيباري أول من أمس إلى «التفاعل الذي حدث بين الوفدين الأميركي والبريطاني مع وفدي الجمهوريتين السورية والإيرانية»، موضحاً أن الوفدين الأميركي والإيراني «تبادلا الحديث حول العراق، وليس حول أي مسألة أخرى».
غير أن الوفد الإيراني إلى المؤتمر نفى عقد أي لقاءات جانبية مع الأميركيين.
وفصلت مقاعد مندوبي العراق ومصر والأردن والسعودية بين أماكن جلوس أعضاء وفد الولايات المتحدة وخصميها إيران وسوريا، خلال مؤتمر بغداد.
وكان المالكي قد أعلن، في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، استعداد العراق لأداء دور في «تسوية الخلافات سلمياً، بما في ذلك الخلافات الدولية والإقليمية»، لكنه أكد «رفض العراق بحزم أن يكون ساحة لتصفية هذه الخلافات».
وتوجه المالكي إلى ممثلي الدول العربية في المؤتمر بالقول إن «التصدي للإرهاب يعني وقف كل أنواع الدعم المالي أو الإعلامي أو الديني أو اللوجيستي» للمسلحين.
وعلى صعيد ردود الأفعال على المؤتمر، أعلن النائب في التيار الصدري نصار الربيعي «رفض أي تدويل للقضية العراقية، لأن ذلك تجريد من السيادة».
أما «دولة العراق الإسلامية»، فرأت أن انعقاد مؤتمر بغداد محاولة «لإيجاد مخرج مشرف لجيوش التحالف الصليبي من مأزقها الذي تعيش فيه».
ولقي ما يزيد على 60 عراقياً وأصيب العشرات بجروح في هجمات متفرقة السبت والأحد.
(الأخبار، العراق للجميع، أ ب، أ ف ب، د ب أ، يو بي آي، رويترز)