strong>حسام كنفاني
توقعات إسرائيلية، تبدو للوهلة الأولى غير منطقية، بحرب مع سوريا في تشرين الأول من عام 2008. المعطيات كثيرة، بينها أن دمشق

  • ستكون المبادرة إليها. وتبقى الأشهر المقبلة كفيلة بإثبات صحتها من عدمه

    تثير صفقات الأسلحة السورية ـ الروسية، والسورية ـ الإيرانية، قلقاً متزايداً في إسرائيل والغرب، حتى إن ملامح سيناريوهات لحرب محتملة على جبهة الجولان، بدأت ترتسم في بعض الكتابات الإسرائيلية والغربية، معتمدة على تحليل الترسانتين السورية والإسرائيلية، في ضوء معطيات القوة والضعف اللتين ظهرتا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.
    حتى إن أستاذ التاريخ العسكري في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، مارتن فان كريفلد، يحدّد تاريخاً مفترضاً لهذه الحرب في تشرين الأول من عام 2008، وهو موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
    ويقدّم الكاتب الإسرائيلي مطالعة في موازين القوى والمعطيات السياسية الإقليمة والدولية، التي تسمح لمثل هذه الحرب بالاندلاع، ومدى ارتباطها بتطورات إقليمة ودولية أخرى، ولا سيما التطورات في العراق وملف الأزمة النووية الإيرانية ومخاطر تعرّض طهران لضربة عسكرية محتملة، التي يرى أن النظام السوري يستغلها بهدوء للاستعداد لحرب ضد إسرائيل.
    وفي مقارنة عسكرية تاريخية للترسانة السورية، يشير كريفلد إلى أن ما جعل الحرب السورية ضد إسرائيل ممكنة هو أن دمشق حصلت على عتادها العسكري بالمجان تقريباً من الاتحاد السوفياتي السابق إبان الحرب الباردة، لكن مع سقوط النظام الشيوعي توقفت هذه التدابير، وأثقلت حكم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بديون تقدّر بعشرة مليارات دولار، وهو ما أوقف عملية تدفّق الأسلحة، التي كانت آخر دفعة منها، قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
    ومع توقف تحديث الترسانة السورية، يرى كريفلد أن ما كان موجوداً لدى الجيش السوري لم يكن سوى خردة حتى العام كانون الثاني من عام 2005، «حين بدأت الموازين تميل مجدداً إلى دمشق»، بعدما بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عملية إحياء دور موسكو في الشرق الأوسط، فأعفى سوريا من ثلاثة أرباع الديون المستحقة لروسيا، أما الباقي «فتم دفعه من جانب إيران”، بحسب الكاتب الإسرائيلي، الذي يشير إلى أن هذا الاتفاق سمح لدمشق بإعادة بناء قوتها العسكرية.
    الخطوة السورية الأولى في هذه المسيرة كانت استكمال منظومة صواريخ أرض ـ أرض من طراز «سكود»، التي «تملك دمشق منها المئات، وبعضها مزود برؤوس كيميائية، وقادرة على الوصول إلى أي مكان في قلب إسرائيل». ويتابع إن السوريين اشتروا من روسيا صواريخ مضادة للطائرات وأخرى مضادة للدبابات ومضادة للسفن، من الممكن إطلاقها عبر البر والبحر على حد سواء.
    ويقول كريفلد إن هذه المنظومة الصاروخية متطورة ومعقّدة، حتى إن بعضها لم يدخل الخدمة في روسيا نفسها، وهي تضاهي، إن لم تكن أفضل، من تلك الموجودة في الغرب.
    دروس عدوان تموز
    ويرى الكاتب نفسه أن القادة العسكريين السوريين يدرسون معطيات العدوان على لبنان في تموز من العام الماضي. ويشير إلى أنهم وصلوا إلى استنتاج أن استراتيجية الردع الإسرائيلية أثبتت عجزها، “إذ إن الجزء الوحيد من الجيش الإسرائيلي الذي أثبت فعاليته هو سلاح الطيران”، لكنه يستدرك أن مهمة الطيران الحربي الإسرائيلي كانت سهلة نوعاً ما في لبنان، حيث لم تواجه أي مقاومة جوية، مشيراً إلى أن سلاح الجو لم يستخدم المقاتلات، ولم يجرؤ، إلا نادراً، على استخدام المروحيات، خشية تعرضها للإصابة.
    لكن كريفلد يقرّ بأن القوة الجوية الإسرائيلية لم تنجح في وقف إطلاق صواريخ حزب الله، وإن كان لها قوة تدميرية، لكن فعاليتها في تغيير مسار الحرب لم تكن واضحة. وينتقل إلى القوتين البرية والبحرية، اللتين يقول إنهما كانتا “في أسوأ حالاتهما”، بعد نجاح حزب الله في إصابة سفينة حربية إسرائيلية، وهو ما حد من فعالية قوة البحر خلال العداون. كما أن القوة البرية أظهرت ثقل حركتها وترددها وقلة تدريبها، “ولا سيما أن معظم القادة العسكريين كانوا يديرون الحرب من خلف شاشات الكمبيوتر في مكاتبهم”.
    بناءً على هذه المعطيات، يبني كريفلد توقعه للحرب السورية على إسرائيل، التي ستكون برأيه مختلفة عن حرب تشرين لعام 1973، فلن تكون هناك عمليات عسكرية كبيرة في الجو أو البر، بل سيستغل السوريون أي حدث لإطلاق الصواريخ على مرتفعات الجولان المحتلة والجليل، “وهو ما سيدفع حزب الله إلى الانضمام إلى الحرب من جنوب لبنان، حيث ستثبت القوات الدولية، كالعادة، أنها هشة”.
    ويتوقع كريفلد أن يبقى السوريون في موقع الدفاع، وينتظروا أي تحرك بري أو جوي إسرائيلي لتجربة الصواريخ الجديدة المضادة للدروع والمضادة للدبابات، لمنع إسرائيل من تصعيد الصراع وتدمير البنية التحتية السورية، كما فعلت في لبنان، على اعتبار ان الهدف الأساس للقوة السورية سيكون “إيقاع القدر الأكبر من الخسائر العسكرية والمدنية، إلى أن تعلن إسرائيل الاستسلام”.
    لكن أستاذ التاريخ العسكري الإسرائيلي يرى مخاطر في الخطة السورية، أولها أن تضاريس الجولان مختلفة عن جنوب لبنان، وتعطي مجال مناورة للمدرعات الإسرائيلية، التي أثبتت خلال الحروب الماضية أنها نقطة قوة إسرائيلية. ويشير إلى أن على السوريين البدء بإنشاء سلسلة من العوائق الاصطناعية قادرة على نصب فخاخ للدبابات الإسرائيلية، معتبراً أن السوريين “بدأوا فعلاً بعمل ذلك”.
    المعوّق الثاني، بحسب كريفلد، هو مخاطر اندلاع حرب غير تقليدية، بناء على “امتلاك سوريا رؤوس كيميائية، وما يشاع عن امتلاك إسرائيل السلاح النووي”. لكنه يضيف إن هذه المخاطر يمكن احتواؤها بالنظر إلى “إحجام إسرائيل عن خسارة أرواح وافتقادها الروح القتالية كما بدا واضحاً خلال حرب لبنان”، مشيراً إلى أن الخطة السورية تحمل معطيات منطقية للنجاح.
    متى سيضرب السوريون؟
    يرى كريفلد أن تاريخ تنفيذ الخطة السورية، يعتمد إلى حد كبير على التطورات في العراق وإيران؛ “فعملية أميركية قصيرة وناجحة في إيران، ستظهر لـ(الرئيس السوري بشار) الأسد أن الآلة العسكرية الإسرائيلية، المستمدة من الولايات المتحدة، لا تقاوم، وخصوصاً في الجو. وعلى العكس، فانسحاب أميركي من العراق، متوازياً مع استمرار المأزق الأميركي- الإيراني، سيطلق يدي الأسد”.
    وللتأقلم مع الأعتدة الجديدة، يرى كريفلد أن القوات السورية ستحتاج إلى أكثر من سنة، خلافاً لتقديرات الاستخبارات التي تحدد هذه المدة بثلاث سنوات. ويرى أن السوريين لن ينتظروا تطوير الصواريخ الإسرائيلية المضادة للصواريخ، بل يتوقع أن يختاروا توقيتاً تكون فيه العوامل المناخية ضد إسرائيل (مطر، ثلوج، ضباب) مناسبة.
    وبناءً على ذلك، يرى كريفلد أن تشرين الأول من عام 2008 سيكون التوقيت المناسب، ما دام الأميركيون سيكونون مشغولين بانتخابات الرئاسة، والإدارة الأميركية ستكون بحاجة إلى وقت لتثبيت أقدامها.
    تدابير إسرائيلية مضادة
    يقدّم كريفلد سلسلة خطوات وقائية إسرائيلية، تكون أولها عبر جمع “الموساد” أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الصواريخ السورية، والتحضير لشن ضربة جوية ضدها إذا احتاج الأمر. ويقترح سرقة أو شراء بعض رؤوس الصواريخ، كما حدث في السبعينيات من القرن الماضي مع صواريخ “اكزوست” البحرية الفرنسية، لمعرفة أسرار عملها، وتطوير آلية لردعها.
    لكن الخطوة الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى كريفلد، هي إعادة بناء القوة البرية، ورفع معنوياتها، باعتبار “أن زجها في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية أوصل المعنويات الإسرائيلية إلى الحضيض”.
    وأخيراً، يرى كريفلد أن على إسرائيل تجنّب حرب جديدة عبر التوصّل إلى اتفاق مع سوريا، وتلقف إعلان دمشق استعدادها لاستئناف التفاوض، الذي رفضته إسرائيل تحت ضغط الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الأميركيين أنفسهم على وشك بدء مفاوضات مع دمشق وطهران، وإلا “فإن على إسرائيل تحمّل العواقب”.
    “أطلق وانس”
    وأكثر ما يثير المخاوف الإسرائيلية هو ما يتسرّب عن صفقة أسلحة روسية ـ سورية تتضمن صواريخ مضادة للدبابات لم تظهر حتى الآن في الميدان وتفوق قدرة الصواريخ الموجودة حالياً بحوزة الجيش السوري أو تلك التي اوقعت أفدح الخسائر بسلاح المدرعات الاسرائيلي خلال العدوان على لبنان.
    ويطلق الروس على صاروخهم الجديد اسم «كريونتمه»، إلا أن حلف شمال الأطلسي يطلق عليه اسم «AT-15»، ويعدّ خليفة صاروخ «كورنيت». ويتفوّق الصاروخ الروسي الجديد من حيث المدى الناجع على مدى اطلاق أي دبابة في الغرب، حيث يمكنه تدمير أي دبابه غربية عن مسافة 6 كيلومترات ويمتلك نظامَي توجيه، احدهما يعتمد على رادار متطور جداً لا يمتلكه اي صاروخ غربي، فيما يعتمد نظام التوجيه الثاني على اشعة الليزر ما يمكّنه من تجاوز أي منظومة تشويش تمتلكها الدبابات الحديثة. ويمكن اطلاق الصاروخ على أساس قاعدة «أطلق وانسَ”، ما يعطيه حصانة كاملة ضد اي عوائق او منظومات مضادة وبإمكان من اطلقه الانسحاب من دون انتظار النتائج.
    وذكرت صحيفة “معاريف” أن الصاروخ الجديد يحمل رأساً متفجراً من نوع “تندم” قادر على اختراق درع أي دبابة موجودة في خدمة الجيوش الغربية، إضافة إلى قدرته على تدمير المواقع الثابته مثل التحصينات والأبنيه وغيرها من المواقع.