strong>معمر عطوي
نجحت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، رغم معارضة تيار
فاعل فيها، في التوصل إلى تسوية تاريخية مع كوريا الشمالية بشأن ملفها النووي، يتوقع أن تعيد العلاقات بينهما بعد أكثر من نصف قرن من القطيعة؛ فهل تنجح هذه التجربة، التي يرى كثيرون أنها قد تشكل نموذجاً لتسوية مشابهة مع إيران؟

  • «تسوية تاريخية» تنتظر معالجة رزمة من الملفات العالقة

    دخل الملف النووي الكوري الشمالي مرحلة جديدة، وضعت صدقية بيونغ يانغ على المحك، لجهة تنفيذ ما تعهدت به خلال المفاوضات السداسية، التي جرت الشهر الماضي في بكين، حيث أعلن عن اتفاق تاريخي تعهد فيه النظام الشيوعي بالتخلي التدريجي عن أسلحته ومفاعلاته النووية في مقابل حوافز اقتصادية ومساعدات غذائية وإنسانية، وأخرى في مجال الطاقة، التزمت بتقديمها أمام الأطراف الأخرى المعنية بهذا الملف، وهي: الولايات المتحدة، الصين، اليابان، روسيا وكوريا الجنوبية.
    ولتأكيد مضمون الاتفاق المشترك، الذي صدر عن الدول الست بعد اجتماع بكين في 13 شباط الماضي، يقوم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، اليوم، بزيارة الى بيونغ يانغ، ليبحث مع قادتها في تفكيك برنامج أسلحتهم النووي، على أن تعود الأطراف الستة الى الاجتماع في بكين في 19 الشهر الجاري لمتابعة ما تم الاتفاق عليه.
    ويرى البرادعي، الذي رحّب بالاتفاق السداسي، أن دعوة النظام الشيوعي له للقيام بهذه الزيارة “خطوة أولى على الطريق الطويل” المؤدي الى نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية. وقد أعرب عن “سعادته لزيارة كوريا الشمالية ليقيم أطار تعاون جديد هناك”، مع وكالته، التي طردت السلطات الكورية مفتشيها في كانون الأول 2002، قبل أن تنسحب في السنة التالية من معاهدة الحد من الانتشار النووي.
    وكانت كوريا الشمالية قد أعلنت منذ عام 2005 عن امتلاكها للسلاح النووي، في خطوة توّجت سلسلة تجارب على صواريخ باليستية أثارت استياء دول المنطقة. لكن تجربتها الذرية في تشرين الأول الماضي أثارت جدلاً غير مسبوق، دفع بالدول الغربية والإقليمية، بينها دول صديقة مثل روسيا والصين، إلى اتباع سياسة جديدة: الدعوة الى تكثيف المساعي السياسية والدبلوماسية، بالتوازيمع تنفيذ نظام عقوبات أقرّها مجلس الأمن الدولي. كما اعتمدت تكتيك “العصا والجزرة” لإجبار بيونغ يانغ على التخلي عن أنشطتها النووية، وخاصة أن المصالح الأميركية في الدول الحليفة مثل اليابان وكوريا الجنوبية ومنطقة شمال شرق آسيا باتت مهددة، بل حتى الأراضي الأميركية نفسها، مثل آلاسكا.
    سرعة التوصل إلى اتفاق، في خلال محادثات بكين في شباط الماضي، فاجأت الكثيرين، وكانت محل ترحيب عالمي. لكنها لم تضع حداً للنزاع القائم. فرغم الاتفاق على مجموعة كبيرة من القضايا الخلافية، إلا أن إمكان تطبيقها لا يزال محل تشكيك واسع، وخصوصاً من الإدارة الأميركية، التي شدد مسؤولون فيها على أن عملية التطبيع بين واشنطن وبيونغ يانغ، التي يتوقع أن تنهي نصف قرن من القطيعة، قد تستغرق سنوات، بسبب العراقيل القانونية وقضية حقوق الإنسان.
    صدام مطالب
    تطالب واشنطن بيونغ يانغ بضرورة الإسراع في تطبيق المرحلة الأولى من اتفاق بكين (إغلاق مفاعل يونغبيون خلال 60 يوماً، والسماح لمفتشي الأمم المتحدة بدخوله)، تمهيداً لمرحلة لاحقة، يتوقع أن تكون أشد حساسية، (إزالة المفاعل والكشف عن كامل البرنامج النووي الكوري الشمالي).
    أما كوريا الشمالية فتصرّ من جهتها على الحصول على مساعدات بقيمة 300 مليون دولار وخطوات نحو “إقامة علاقات دبلوماسية كاملة” مع الولايات المتحدة، وإزالة اسمها عن لائحة الدول الراعية للإرهاب.
    خلاف في المقاربة عبرت عنه اجتماعات نيويورك، التي عقدت الجولة الأولى منها أوائل الأسبوع الماضي، بين الجانبين الأميركي والكوري. وصفت المحادثات، وهي الأولى من نوعها على هذا المستوى منذ عام 2000، بأنها «جيدة جداً»، ويمكن أن تسفر عن نتائج بعد استئنافها خلال الأسبوع الجاري. وكانت الولايات المتحدة قد وافقت على رفع العقوبات المالية التي اتخذتها قبل سنة ضد بيونغ يانغ، حين أمرت الخزانة الأميركية بتجميد نحو 24 مليون دولار من موجودات كوريا الشمالية في مصرف في مكاو، إثر اتهامه بتبييض مبالغ من الدولارات المزورة. وقال كبير المفاوضين الأميركيين، كريستوفر هيل، لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن الأمر يتعلق بـ“تحديد روزنامة عمل حول علاقاتنا الثنائية، ما يتضمن إقامة علاقات دبلوماسية، وهذا يأتي قبل إخراج كوريا الشمالية من لائحة الدول الراعية للإرهاب”.
    معروف أن العلاقات بين البلدين قد شهدت تحسناً في تسعينيات القرن الماضي، في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وتوّجت بزيارة وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت إلى بيونغ يانغ أواخر عام 2000.
    لكن بوش وضع النظام الكوري الشمالي في عام 2002 في “محور الشر”، إثر معلومات استخبارية أميركية أفادت بأن بيونغ يانغ تطوّر برنامجاً لليورانيوم المخصّب لمآرب عسكرية.
    الكوريتان
    لعل أهمية اتفاق بكين قد تجاوزت موضوع رفع العقوبات والشعارات البراقة بشأن “شبه جزيرة خالية من السلاح النووي” أو مساعدات غذائية واقتصادية، إلى مسألة أهم، هي إعادة رسم خريطة جديدة من العلاقات الإقليمية، التي سادتها العدائية منذ عقود؛ فقد نص اتفاق بكين على صيغ واضحة من التفاوض بين الدولة الشيوعية وجارتيها الجنوبيتين: كوريا الجنوبية واليابان.
    لقاء رئيس الوزراء الكوري الجنوبي السابق لي هاي ــ شان مع رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في كوريا الشمالية كيم يونغ نا في بيونغ يانغ الأسبوع الماضي جاء في هذا الإطار، وشكل سابقة مهمة على طريق تعزيز العلاقة بين شطري كوريا. لكن رغم ما عبر عنه الطرفان من أجواء إيجابية سادت الاجتماع، لا يزال هناك الكثير من القضايا العالقة بين الطرفين، ليس أهمها الحاجة إلى الاتفاق على تفاصيل خاصة بالمساعدات التي طلبها الشطر الشمالي من جاره الجنوبي، والتي تصل إلى 400 ألف طن من الأرزّ و300 ألف طن من الأسمدة، علماً بأن سيول أوضحت أن بدء تسليم هذه الأسمدة قد يبدأ اعتباراً من أواخر آذار الجاري أو أوائل نيسان المقبل، مشيرة إلى أن قيمة هذه الكميات من الأسمدة تبلغ 105 ملايين دولار.
    ولعل أبرز ما في هذا الملف الشائك من قضايا عالقة هو جمع شمل العائلات التي فرّقتها الحرب الكورية التي امتدت بين عامي 1950 و1953. وكان البلدان قد اتّفقا الأسبوع الماضي، أثناء محادثات على المستوى الحكومي في بيونغ يانغ، على استئناف جهود المصالحة بينهما. ومعروف أن أكثر من 10 آلاف كوري شمالي فرّوا إلى كوريا الجنوبية منذ نهاية الحرب الكورية، تاركين خلفهم أعداداً كبيرة من أقاربهم في الشطر الشمالي.
    المسألة اليابانية
    أما في ما يتعلق بملف العلاقات الكورية ـــ اليابانية، فلا تزال عقدة المخطوفين اليابانيين تعرقل إمكان تطويرها، ولا سيما أن البلدين قد اجتمعا الأسبوع الماضي في هانوي، حيث اصطدما بطريق مسدود على طريق تطبيع العلاقات بينهما. وكانت السلطات الكورية الشمالية قد اعترفت في عام 2002 بأنها خطفت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، 13 يابانياً، تمت إعادة خمسة أشخاص منهم، بهدف تعليم رجال استخباراتها اللغة والعادات والثقافة اليابانية ليتمكنوا من القيام بمهمات تجسسية خلف الحدود. وتطالب طوكيو بإعادة من بقي من المخطوفين على قيد الحياة، لكن بيونغ يانغ تؤكد أنهم توفّوا ولا يمكن إعادتهم.
    في المقابل، تطالب بيونغ يانغ طوكيو بوقف قمع الكوريين الشماليين المقيمين في اليابان، واتخاذ خطوات لتعويضها عن فترة الاستعمار الياباني لشبه الجزيرة الكورية (1910-1945). ويقول المسؤولون الكوريون الشماليون إن على طوكيو “ تنظيف ماضيها المثقل بالجرائم والذي لا يمكن مساواته، لوحشيته، بموضوع الخطف”.



    اتفاق بكين


    في ما يلي النص الحرفي لاتفاق بكين بين الصين واليابان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة، الذي جاء تحت عنوان “خطة لنزع السلاح النووي الكوري الشمالي”:
    “الخطوات الأولى للتطبيق:
    1 - عقدت الأطراف محادثات جدية وبناءة حول خطوات سيتخذها كل منها في المرحلة الأولى لتطبيق البيان الصادر في 19 أيلول 2005. تعيد الأطراف التأكيد على هدفها المشترك وعلى أنها ستجعل شبه الجزيرة الكورية، في وقت قريب، خالية من السلاح النووي، بطريقة سلمية. وتكرر أنها ستطبق بسرعة تعهداتها الواردة في بيانها المشترك، على مراحل، وفق مبدأ: “خطوة خطوة”.
    2 - وافقت الأطراف على اتخاذ الخطوات التالية بالتوازي في المرحلة الأولى:
    أ- تتعهد جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية بالعمل على الإنهاء التام لمفاعل “يونغبيون” النووي، من ضمنه منشأة إعادة المعالجة، ودعوة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجدداً للقيام بجميع أعمال الرقابة والتحقق الضرورية، بحسب الاتفاق بين الوكالة وبين كوريا الشمالية.
    ب- ستناقش كوريا الشمالية مع الأطراف الأخرى لائحة بكل برامجها النووية، وفقاً لما وصفه البيان المشترك، بينها البلوتيونيوم المستخلص من قضبان الوقود المستخدمة، والتي من المفترض إزالتها بشكل مطابق للبيان المشترك.
    ج- ستبدأ كوريا الشمالية والولايات المتحدة بمحادثات ثنائية تهدف الى حل القضايا الثنائية العالقة بينهما والتحرك قدماً نحو علاقات دبلوماسية تامة. وستبدأ الولايات المتحدة بعملية رفع اسم كوريا الشمالية عن لائحة الدول الراعية للإرهاب، وتدفع قدماً بمسار إنهاء تطبيق التجارة مع العدو على كوريا الشمالية.
    د- وستبدأ كوريا واليابان محادثات ثنائية تهدف الى اتخاذ خطوات لتطبيع علاقاتهما، بالاستناد الى إعلان بيونغ يانغ، وعلى قاعدة تسوية الماضي المشؤوم والقضايا المعلقة ذات الاهتمام.
    ه- ومع التذكير بالقسمين 1 و3 من البيان المشترك في 19 أيلول 2005، توافق الأطراف على التعاون في الاقتصاد والطاقة والمساعدة الإنسانية مع كوريا.
    في هذا المجال، وافقت الأطراف على توفير مساعدة عاجلة في مجال الطاقة في الخطوات العملية الأولى. الشحنة الأولية للمساعدة العاجلة للطاقة تساوي 50 ألف طن من الوقود الثقيل تبدأ خلال الستين يوماً المقبلة.
    وافقت الأطراف على أن الخطوات الأولية المذكورة آنفاً ستطبق خلال ستين يوماً، وأنها ستقوم بخطوات منسّقة نحو تحقيق هذا الهدف.
    3 - وافقت الأطراف على تأسيس مجموعات العمل التالية من أجل تنفيذ الخطوات الأولية ومن أجل التطبيق الكامل للبيان المشترك:
    أ‌- إخلاء شبه جزيرة كوريا من السلاح النووي.
    ب‌- تطبيع العلاقات الأميركية الكورية الشمالية.
    ج‌- تطبيع العلاقات اليابانية الكورية الشمالية.
    د- التعاون في مجالي الاقتصاد والطاقة.
    ه- آلية السلام والأمن في شمال شرق آسيا.
    تناقش مجموعات العمل وتضع خططاً محددة لتطبيق البيان المشترك في المجالات المعنية بها. وستعدّ هذه المجموعات تقريراً لرؤساء وفود الأطراف حول تطور عملها. من حيث المبدأ، يجب ألا يؤثر التقدم في إحدى اللجان على تطور عمل اللجان الأخرى. وستطبق الخطط التي وضعتها مجموعات العمل الخمس ككل متكامل وبطريقة منسقة.
    ووافقت الأطراف على أن تجتمع مجموعات العمل كلها خلال الثلاثين يوماً المقبلة.
    4 - خلال مرحلة الخطوات الأولية والمرحلة التالية – التي تتضمن فقرة تصرح بموجبها كوريا الشمالية بشكل تام عن كل برامجها النووية وإنهاء كل المفاعلات النووية الموجودة، بما فيها مفاعلات ومصنع إعادة معالجة الغرافيت المعدل – سيتم تزويد بيونغ يانغ بمساعدات اقتصادية وفي مجال الطاقة ومساعدات إنسانية، تصل إلى ما يوازي مليون طن من الوقود الثقيل، بينها الشحنة الأولية التي تساوي 50 ألف طن.
    وستحدد الوسائل التفصيلية للمساعدة عبر مشاورات وتقييمات ملائمة، في مجموعات العمل حول التعاون الاقتصادي والطاقة.
    5 - ما إن تنجز الخطوات الأولية، تجتمع فوراً الأطراف الستة على مستوى وزراء، لتأكيد تطبيق البيان المشترك وتتحرى الطرق والوسائل لتعزيز التعاون الأمني في شمال شرق آسيا.
    6 - تعيد الأطراف التأكيد على أنها ستتخذ خطوات إيجابية لتعزيز الثقة المتبادلة، وستقوم بجهود مشتركة من أجل إحلال سلام وأمن دائمين في شمال شرق آسيا. وستعمل الأطراف المعنية مباشرة بهذا الملف على التفاوض حول نظام سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية في إطار لقاء منفصل مناسب.
    7 - وافقت الأطراف الستة على عقد جولة سادسة من المفاوضات في 19 آذار للاستماع الى تقارير مجموعات العمل ومناقشة خطوات المرحلة التالية.